مدونة حكايات فريدة

واحد صفر


هذا العام شاهدت واحد من أجمل الأفلام العربية التي شاهدتها مؤخرا و ربما على الإطلاق من حيث القصة و الفكرة المطروحة
الشيء الوحيد إلى لم يعجبني في الفيلم هو أسلوب الكاميرا المتحركة و المهتزة بين الأبطال ... و لأني لم ادرس سينما .. أستميحكم عذرا أنه لا علم لي بمسمى هذا التكنيك
...
فيلم واحد صفر ببساطة يرصد ظاهرة حقيقية و ملموسة في الشارع المصري و هي أننا مؤخرا لا نتفق على شيء سوى الكرة ..و ربما تكون هي الشيء الوحيد الذي يجمعنا
كما أنها الشيء الوحيد الذي يجعلنا نفرح حقا و كأن انتصاراتنا الكروية هي الانتصارات الوحيدة الباقية لنا و هي الانتصارات التي تنسينا الهموم الأخرى التي يتسبب فيها وطننا
و كأنما الدموع التي يسببها ذلك الوطن تمسحها إنجازات منتخبه الوطني
قد تبدو تلك الحقيقة ساذجة لكنها الأمر الواقع الذي تناولته " مريم نعوم" في قصة الفيلم ببساطة و ذكاء و من خلال أحداث يوم واحد
........
تذكرت هذا الفيلم و أنا أشاهد أحداث الأسبوعين الماضيين
و أنا هنا لا أكتب كي أسفه من فرحة الناس بفوزنا في لعبة ما .. و لا أتعجب كون الانتماء المصري لا يظهر إلا أمام الساحرة المستديرة
و لا أتباكى هنا على روح التعصب التي كانت ظاهرة بقوة طوال الفترة الماضية
ففي النهاية هذا هو الواقع .. الواقع الذي يبدو منطقيا لشعب مثل شعبنا
إن الثقافة الوحيدة التي لازالت باقيه لهذا الشعب هي الثقافة الكروية
أنت أمام شعب أغلبه لا يقرأ .. و لا يهتم بمتابعة الأحداث .. شعب خامل .. لا يتفاعل مع الكوارث التي تحدث في بلده أو في البلاد الأخرى
شعب جاهل ثقافيا و سياسيا .. و دينيا .. شعب ضرب داء التعصب فيه حتى الجذور و صار من الصعب معالجته
شعب فقد انتمائه للوطن .. لا كرها فيه و لا خيانة و لكن لأن هذا كان رد الفعل الوحيد المتاح أمامه إزاء الأوضاع المتدنية التي وصل إليها وطنه
إن ما يحدث في مصر الآن هو مجرد مؤشر آخر لليأس
فعلى ما يبدو ..الكرة هي كل ما تبقى لنا
هي الشيء الوحيد الذي بإمكاننا التكلم عنه دون رقابه و لا خوف
و منتخبها هو العامل الأخير الذي يحفز مصريتنا بعد ما فقدنا شعورنا بهذا الوطن أو انتمائنا إليه
و الانتصار بها هو الانتصار الوحيد الذي ننجزه  كمصريين و نشعر بفرحته فوريا
فلا نحن نشعر بانتصاراتنا في تحسين البنية التحتية
و لا نحن نفهم إنجازات التطوير المتعددة
التي نقرأ عنها في الجرائد كل يوم
لكننا نفهم جيدا معنى الكرة في مرمى الخصم
نحن لا نملك أي ثقافة أخرى
معظمنا تخرج من الجامعات لكننا لا نقرأ .. و من نبغوا في تلك الجامعات ينتهي نبوغهم عند هوة البحث العلمي المتدني
يا ترى لو أجرينا اختبارا شاملا لكل خريجي الجامعة عن الثقافة العامة
كم ستكون النسبة التي ستجتاز هذا الاختبار .. على أقصى تقدير 20%... مثلا
لكن إن أجريت اختبارا في المصطلحات الخاصة بقوانين لعبة الكرة و أسماء اللاعبين و المباريات و نتائجها.. قد تتعدي نسبة الاجتياز في اختبار كهذا ال 60%.. إن لم تكن أكثر
......
حتى عندما تخوننا الكرة .. و نخسر مثل ما حدث بالأمس ... فإن هذا لا يدفعنا لمجرد التفكير بالسخط عليها ...لأنه في النهاية .. هذا هو العادي .. فنحن نخسر في أشياء عدة و على جميع المستويات
لكن لا شيء مصري آخر أعطانا حلاوة الفرحة مثل ما فعلت الكرة
ثم إن تلك الكرة تشبهنا إلى حد بعيد كشعب.. فنحن في النهاية مجرد كرة بين أقدام عدة
و هو ما أكده هذا المخطط المكشوف من شحن المشاعر لأغراض خفية
فعلى مدار أيام قبل المباراة الأولى كان هناك شحن غير مسبوق لمشاعر المصريين
و حتى أمس .. و كأننا فزنا و انتصرنا
مهزلة إعلامية بكل المقاييس
ذكرتني - مع الفارق طبعا- بالأكاذيب التي بثها الإعلام المصري أيام النكسة
لكن أيام النكسة و أيام خطب عبد الناصر الحماسية كان الشحن ناحية العدو و الوحدة مع العرب
أما الآن صار الشحن ناحية دولة عربيه معادية كرويا
!!!
و مما لا يثير الدهشة لكنه يستفز الحنق.. موقف الجزائر هي الأخرى
مهزلة أخرى من مهازل زماننا هذا .. و مؤشرات غاية في الخطورة نحو التدني
..
و في النهاية و كعنوان الفيلم الذي أعجبني كانت النتيجة واحد صفر .. لكن ليس لصالحنا ,, و للأسف النتيجة لم تكن أبدا في صالحنا
لكن لتفهم هذا نحتاج نوع آخر من الثقافة




2 comments

كلام عيب said...

شكل الفيلم حلو
بس انا مش عرفت اقرى اوى
علشان لون الخلفيه مع لون الكلام يجيب حول
ياريت حد منهم يتغير

يا مراكبي said...

لأن الرياضة هي المجال الوحيد الذي أتاحه النظام الحاكم للتعبير عن الإنتماء وحب الوطن .. المجال الوحيد الذي يتحزب فيه الناس وينفسون عن طاقاتهم

كان هذا من ألاعيب النظام التي نجحت بالفعل .. لكن ماذا عن الشعب نفسه هو الآخر؟ لقد إستسلم هذا الشعب وركن إلى ذلك وإختصر كل آلامة وآماله في مجرد كرة قدم مستديرة

Professional Blog Designs by pipdig