مدونة حكايات فريدة

بعد الرحيل


كل ما أسمع  أغنية
If you go away
 و المنقولة عن الأغنية الفرنسية  الشهيرة
Ne me quitte pas
أو لا تتخلى عني
... لا  أستطع ألا أتذكر "حنان" و قصتها
و شعرها متوسط الطول و جسدها متوسط الإمتلاء و جمالها متوسط الجاذبية ... كانت إمرأة تقف في المنتصف بين كل شيء .. و كأنها جمعت من كل شيء... كصندوق سحري إن فتشت فيه عن شيء ما .. ايا كان هذا الشيء .. ستجده ..... و هذا ما يجعلها قريبة من قلبك بسرعة .. الشخصيات الوسطية .. مريحة في التعامل .. لا حدة في الطباع و لا إنحياز .. و لا تعصب

   هل هذا ما جذب "خالد " إليها عندما رآها لأول مرة ...!!... لا أعلم فأنا لم أكن هناك في بداية قصتهما لكني قطعا تواجدت خلالها
قصة حب غريبة .. و مختلفة

  عن إمرأة رحل عنها زوجها و حبيبها من أجل إمرأة أخرى في منتصف الطريق .. لكنها ليست تلك القصة التقليدية التي تراها وتسمع عنها يوميا

  من السخف ان نجعل لقصص الناس أنماطا .. كما نجعل لصفاتهم أنماط.. كل حكاية من حكايات البشر متميزة في حد ذاتها .. حتى و إن بدت متشابهة مع غيرها .. حكاياتنا مثل بصماتنا .. متميزة و لا تتكرر

  لأننا لسنا بنماذج مسطحة .. ببساطة تسطيح الحروف فوق السطور لتصنع كلمات و الكلمات تتجمع ببسطاة لتروي حكاية .. كلا الأمور أعمق من هذا... لذا بالنسبة لتلك المرأة الواقفة في الوسط بين الأيام .. كان الأمر أكثر من مجرد حكاية أخرى تتكرر عن رجل يترك زوجته من اجل إمرأة اخرى

   كانت دائما حنان تشعر في أعماقها أن هذا اليوم سيأتي .. اخبرتني بهذا منذ وقت بعيد و نحن نتناول القهوة معا على النضد الصغير الممتد في وسط مطبخها الكبير ... قالتها و هي تمد رأسها إلى الأمام كعادتها عند الكلام

  قالتها ببساطة ... كعادتها في إلقاء الكلمات و كأنها تخبرني عن وصفة ما للطهي ... قالتها عن يقين إستشعرته و تعجبت منه
" حمقاء تلك المرأة التي تؤمن عن يقين أن هذا اليوم لن يأتي ... يوم يتوقف الحب و يأتي موعد الفراق"

تطلعت إليها في دهشة متسائلة
" هل تؤمني حقا أن زوجك قد يتوقف عن حبك يوما ما؟؟ و يحب غيرك من وراء ظهرك"

ابتسمت في حكمة بدت لي وقتها مريرة مجيبة
" لا لن يستطيع أن يخفي حبه عني .. و لن يتوقف عن حبي .. وياليته يفعل ... لكن الأكثر من هذا أني سأكون أول شخص يأتي للإعتراف له .. ولن أستطيع عندها ردعه

.. كان هذا أغرب حوار أجريته مع صديقة على الإطلاق ... و كانت بدايته مجرد نميمة عن جارتنا التي طلقت مؤخرا لأنها إكتشفت أن زوجها تزوج عليها من سكرتيرته .. إمرأتان لا نعرفهما حق المعرفة و نحكي حكايتهما و نحللها و كأنه لنا الاحق ان نحكم على ما لم نعش أو نرى .... ثرثرة نساء

قالت لي حنان يومها موضحة
هناك الحب و هناك ما هو بعد الحب... ... أن تكون المرأة بالنسبة للرجل مجرد إمراة يحبها .. إمرأة ضعيفة .. جميلة يحبها و يشعر معها برجولته ... يملها ... و يشعر أنه يستطيع الإستغناء عنها يوما ما ...حتى انه ببساطة قد يتوقف يوما عن حبها... هذا  شيء
و حب الرجل للمراة و كأنها كل شيء بالنسبة له .. هذا شيء آخر.. هذا هو مرحلة ما بعد الحب ... عندما تكونين امه .. و بيته و ملجأه ... تكون المشاعر مختلفة ... إنه لا يشعر بقوته و لا برجولته معك .. إنه فقط يشعر معكي بالأمان و كثير من الأحيان بالضعف ... لا يتخيل حياته أبدا بدونك ... و لا يتوقف أبدا عن حبك ... لكن في غفلة من الزمن ... و كعادة الأيام يتسلل هو باحثا عن وهم آخر... عن حب آخر ... كالطفل يحاول الإنسلاخ عن أمه .. يبحث عن إستقلاله و هو يظن واهما ان أمه ستظل هناك من أجله في البيت .. كالطفل يخطيء في حق أمه و هو بالفطرة يعلم أنها لن تكرهه و لن تنبذه و ستظل هناك من أجله في إنتظار عودته
لكن هل تعرفين ماذا سيحدث عندها ؟؟

سألتها بعيناي دون أن أنطق بكلمة فقالت و عينيها ملؤها التصميم
إنه عندها .. عندما يعود لن يجدني .. لأني في الحقيقة ... لست بأمه

.........
كل منا يأخذ شيء ما من إسمه... قرأت شيء عن هذا في مكان ما ... حنان أخذت من إسمها معناه كاملا..... كانت من اكثر الأشخاص حنانا .. هل من أجل هذا تعلق بها "خالد" الذي فقد أمه في سن مبكرة جدا من عمره و إفتقدها جدا مع قسوة زوجة أبيه ؟؟... هل من أجل هذا كان عشقه الواضح لها؟؟.......هل من أجل هذا كانت تصبر هي عليه لأنه و بالرغم من كل عيوبه .. يعشقها و يحبها ... لكنها لم تكن سعيدة ... كان بداخلها الأم أكثر من الطفلة .. و الصديقة أكثر من العشيقة ... في علاقتها مع خالد و بخلاف كل الأشياء الأخرى بحياتها كانت حنان .. طرفية ... حادة ... تجلس على الحافة و تمرجح قدميها في الهواء و تنظر إلى الهاوية.... لم تكن وسطية .. كلا لم تكن وسطيه

.......
وقد حدث ما توقعته يوما ما .. هناك معي ... على النضد الصغير الممتد في قلب المطبخ الواسع ... خانها خالد ... لكنه لم يرحل .... لا فقط من أجل أولاده الثلاثة ... و لا من أجل حبه الكبير لها ... و لكن لأنه ببساطة لم يستطع أن يرحل .. عن أمه و بيته و ملجأه كما وصفت هي نفسها ذات يوم.. لي .... لكنها صممت على الرحيل ... و فشلت كل محاولاتنا بالإصلاح بينهما ... و لقد تحدثنا إليها كثيرا  و حاول هو معها جاهدا .. و كم حاولنا التأثير عليها بالأولاد .. و العشرة و السنين
لكن لم يجدي عندها أي شيء... و رأيت في حنان وقتها أنانية لم أدرك ابدا وجودها بداخلها
قالت لي ذات مرة عندها
أنا لم أكن أبدا سعيدة ... حتى في علاقتنا الخاصة ... لم أكن ابدا سعيدة .. عندما تفتحين عينيك و تنظري لأسفل لتجدي تحتك رجلا مغمض العينين  غائب عن الدنيا لا يراكي و لا يشعر بكي .. و لا يسعدك .. و تتمني في أحلامك .. رجلا ما يفتح هو عينيه ليرقبك تحته و أنتي سعيدة و نشوانة و هائمه
 لقد كنت أضعف من أن أرحل عن خالد ... من أجل أطفالنا .... من أجل خوفي من تركه ... من أجل تعلقه بي كطفل صغير ... لكني كنت انتظر بفارغ الصبر تلك الغلطة كي أرحل .. كي أغضب .. كي أعاقبه ....و أخلص

........

مضت سنوات عدة قبل أن تدرك حنان أنها كانت تعاقب نفسها .... قبل أن تعاقبه هو ... وربما تكون قد أدركت يوما ما الحقيقة التي لم ترها من قبل أن ما بينهما لم يكن حبا و لم يكن ما هو وراء الحب ... ما بينهما كان شيء لا أستطيع ان أصفه او أحلله ببساطة في جملة ... فهي قصة أخذت سنوات طويلة ... و قد تزوج هو ثانية و طلق .. و تزوجت هي ثانيا  .. و لا زالت متزوجة لكني أعلم انها لا زالت غير سعيدة

و لم تكن كلمات حنان التي روعتني يومها صادقة تمام الصدق ... فمازلت أنا مع رجل لم يخونني و لازلت مطمئنة انه لن يخونني .. لا اعلم هذا علم اليقين لكن ما أعلمه علم اليقين انه لا احد منا يحاول ان يكون فوق الآخر او تحت الآخر ... نحن فقط معا ... و هذا يكفي



4 comments

يا مراكبي said...

I am really speachless!

حكاياتنا مثل بصماتنا .. متميزة و لا تتكرر


لذلك وجدت نفسي غير قادر على التعليق عن حالة عامة .. فكل حالة بالفعل لها ظروفها وخصوصيتها

---

أبهرتني بطلة القصة في تعريفاتها الأولى

مرحلة الحب لإمرأه تشبع في الرجل أشياء

ثم مرحلة ما بعد الحب وهي أن تكون المرأة كل شيء في حياته

ثم احتمال أن توجد نزوة .. مع التأكيد بأن الرجل سيعود لأنه ببساطة يمر بمرحلة ما بعد الحب .. أن تكون المرأه كأمه .. كل شيء في الحياه

---

المفاجأة كانت في رد فعل بطلة القصة إذا مر رجلها بالمرحلة الثالثة: كانت قد قررت مسبقا ألا يجدها عند عودته

اتضح الأمر بعد ذلك عندما اعترفت بعدم سعادتها معه وأنها كانت تنتظر تلك النزة لتعاقبه .. هنا أدركت مدى خصوصية القصة .. بصماتنا لا تتشابه بالفعل

لكن المؤلم أنها لم تعاقبه هو فحسب .. بل عاقبت نفسها أيضا لسبب غير مقهوم .. وتزوجت بآخر .. ولم تسعد معه للأسف

---

خالص تقديري على هذا النص الثري بالأفكار

It is really touching

Lyssandra said...

حكاياتنا مثل بصماتنا .. متميزة و لا تتكرر

____

تمام جداً
مهما جمعت بين قصصنا صفات وراثية
يبقي لكل منها بصمة فريدة
وتبقي كل منها رغم التشابه العام .. خصوصية لا تتكرر

_________________

*هناك الحب و هناك ما هو بعد الحب... ... أن تكون المرأة بالنسبة للرجل مجرد إمراة يحبها

*حب الرجل للمراة و كأنها كل شيء بالنسبة له .. هذا شيء آخر.. هذا هو مرحلة ما بعد الحب ... عندما تكونين امه .. و بيته و ملجأه
___

طيب ماهو في كلتا الحالتين هايسيبها
يبقي مش نوع الحب هو اللي هايبقيه
العيب عنده هو
إنه لما يحبها ويحس بضعفها وبعدين يسيبها عشان غيرها
أو أنه يعتبرها أمانه وأمه وبيته ويسيبها بردو عشان واحده تانيه وهو واثق انها هاتنتظره وتغفر
في الحالتين هو أناني
بردو في شئ مفقود

__________________

عندما يعود لن يجدني .. لأني في الحقيقة ... لست بأمه
___

بالظبط .. كل واحد له طاقة وقدرة مايقدرش بعدها يسامح ويتغاضي
هاتسامح مرة و2 و10 .. لكن في النهاية مش هاتلاقي عندها استعداد انها تسمعه

________________

الحقيقة التي لم ترها من قبل أن ما بينهما لم يكن حبا و لم يكن ما هو وراء الحب ... ما بينهما كان شيء لا أستطيع ان أصفه او أحلله ببساطة في جملة ...
____

أنا معاكي في النقطة دي
ده لا كان حب ولا ما بعد الحب
يمكن احتياج وشعور بأمان وبس
لو كان حب أو ما وراءه كان عاش بجد
لكنه أناني .. وهي زي ما قالت في البداية لم تستطع ردعه
لكنها تنتظر فرصه علشان تخلص

_______________

قد تزوج هو ثانية و طلق .. و تزوجت هي ثانيا .. و لا زالت متزوجة لكني أعلم انها لا زالت غير سعيدة
_____

مممم
طيب وليه مازالت غير سعيدة ؟
الأن البعض كتبت عليهم أن يعيشوا أشقياء ؟؟
او لأنها ما عادت تتقبل السعاده ؟
أقصد مش عندها استعداد تكون سعيدة أو تبحث عن السعاده دي
_______________

و لم تكن كلمات حنان التي روعتني يومها صادقة تمام الصدق ... فمازلت أنا مع رجل لم يخونني و لازلت مطمئنة انه لن يخونني .. لا اعلم هذا علم اليقين لكن ما أعلمه علم اليقين انه لا احد منا يحاول ان يكون فوق الآخر او تحت الآخر ... نحن فقط معا ... و هذا يكفي
_______

ده عشان أكيد مش لازم تجارب الناس تتكرر حرفياً أو تمشي علي نفس الطريق أو تؤدي لنفس النهايات
كان في حاجه غلط في قصة حنان وخالد
وأكيد كان لازم تنتهي بأي شكل

__________

أعتذر للإطالة :) لكن بجد القصة عميقة ومعانيها كتير


تقبّلي مروري وفائق احترامي

Lyssa

يقول أنى امرأة said...

بجد من احلى ما كتبتى

مفيش كلام يتكتب تانى
الواحد محتاج يفكر اوى بعد القصة دى
يفكر فى بصمته الخاصة و مش عارفة يكون حظ ولا نقمه انه يكون عارف نهايتها زى حنان

Amira said...

أستاذ أحمد القاضي

أخجلتم تواضعنا

تدللني أنت بتشجيعك

أشكرك
..............

lyssandra

أشكرك و تحياتي

...........

يقول أني امرأة

أشكرك
أنا سعيدة أنها أعجبتك
فلقد شعرتها قصيرة و سريعه إلى حد ما

لكن ها أنا ذا أتعلم كيف أحسن كتابتي

تحياتي

Professional Blog Designs by pipdig