مدونة حكايات فريدة

السحر و الساحر

   
 كالساحر .. عندما يريد أن يخدع بصرك بحيلته فيصرف انتباهك إلى شيء آخر صار مسرح الأحداث في مصر الآن زاخر بالخدع البصرية
الثورة ... تعني ثورة .. تعني إسقاط نظام و تغيير تاريخ و دساتير .. الثورة .. هي صوت غضب شعبي و الشعب لا يعرف بولوتيكا أو سياسة .. الشعب يعرف الحياة و الموت  .. يعيش في ذل فيثور .. و يموت عدوانا فيغضب أكثر
   لكن للسياسة حسابات أخرى .. وللمفاوضات مفهوم آخر .
  كيف بين ليلة وضحاها تحولت الثورة إلى مفاوضات ؟؟!!.. كيف قسم خطاب الرئيس الشعب إلى فريقين ؟!!
  كيف تسامح شخصا لم يعتذر لك باللفظ عما فعله بك .؟ و كيف ترضى بما وعدك به و هو لم يعطك ما طلبته بالفعل؟
    تلك لعبة نفسية عميقة .. لا تعتمد على مكر المفاوض وحده و لكنها تعتمد بالأكثر على طبيعة الطرف الآخر التي يعلمها المفاوض جيدا
    سأضرب هنا مثالا بسيطا جدا لكنه قد يبدو مشابها .. تصورا معي رجل و امرأته .. المرأة اكتشفت خيانة الرجل لها و تلك ليست المرة الأولى و كل مرة تصمت لكن تلك المرة نفد صبرها فثارت و غضبت و طلبت الطلاق
   في تلك الحالة .. قد يأتيها الرجل معتذرا و معترفا بخيانته و طالبا السماح على ما فعله و متوسلا لأن تعطيه فرصة ثانية.
    أو أن يأتي إليها بدهاء مرددا على مسامعها التالي
 أنه رجلها الذي لم يفكر أبدا في تركها و أنه افضل من غيره بالنسبة لها .. و أنه زوجها منذ سنين و لهم من الذكريات مالا تنسى و أنه يريد أن يعيش و يموت و هي زوجته فهو يحبها. و أنه يطالبها بفرصة يثبت كلامه لها.

    في الحالة الثانية لم يعترف الرجل بخطئه و لم يعتذر عنه .. لكنه لعب على وتر عاطفية امرأته و أوتار أخرى  يعرفها جيدا.. تلك الطريقة التي ندعوها نحن التلاعب بمشاعر و سيكولوجية الطرف الآخر و الضغط على نقاط معينة بنفسيته من أجل تطويعه لما يريد الطرف الماكر.

    إن يبدو هذا المثال ساذجا .. لكنه أبسط طريقة لتصور الأمور .. لم يحتو  خطاب الرئيس على اعتذار مرضي لأهل الشهداء و لم يبرد نار من تحمل نيران تعسف جهاز الشرطة  لسنوات  بإعلان إلغاء قانون الطوارئ الذي يــُعد العصا السحرية بيد الجهاز الأمني دوما ضد أي مواطن ... و لم يعترف بخطأ الجهاز الأمني في التعامل مع المتظاهرين بل على العكس ألقى باللوم على الفئة المندسة المخربة و لم يعطك الخطاب سوى وعود طويلة المدى .. لكنه لعب على وتر المفاوضات .. أنت قبل 25 يناير كنت مكبلا .. حانيا رأسك لا تحلم بأي شيء .. و اليوم أنا أعطيك أشياء .. لماذا لا تقنع بها .؟؟
و على التوازي سُخرت وسائل الإعلام للعب على وتر حقيقة واقعة بالفعل .. أن المتظاهرين مطالبهم لا سقف لها و أنهم لا يعرفون معنى التفاوض و لا يفقهون مفاهيم مثل الشرعية و الدستورية
   و هنا أوجدت المعضلة التي تحدثت عنها بمقالي السابق .. المعضلة التي تعيشها مصر الآن و ستظل تحت أثرها وقتا طويلا
   و في خضم تلك الفوضى .. و بانصراف حواسنا لإثبات ما نراه صحيحا .. يبقى الحال كما هو عليه ...

يبقى الرجل خائنا و تبقى المرأة مجروحة و يظل الزواج قائما و تظل العشيقة في الصورة

      لكن .. و ماذا بعد ؟؟ .. ليت الأمور ببساطة ذلك المثال الذي ضربته ... و ليت حياة الشعوب و تاريخهم مثل حياة و تاريخ الأفراد

  مبارك اكثر من مجرد رجل و مصر أكثر من مجرد فرد
التاريخ حكاية معقدة .. متشعبة .. تلف حولها من كل جهة لتحكي جانبا واحدا فقط .. ثم تعود للالتفاف لتحكي جانبا آخر

   بالأمس و أنا أشاهد وائل غنيم " المدير الإقليمي لجوجل " مع الإعلامية منى الشاذلي
شاهدت و هو يبكي عندما عرضت عليه منى صور شهداء الثورة .. و حيث أنه كان قد اعتقل لمدة 12 يوم لم يعرف فيها شيئا مما يحدث بل و تعمد معتقلوه تغمية عينيه طوال الوقت .. فكانت تلك المرة الأولى التي يرى فيها تلك الصور
أجهش وائل بالبكاء
و في تلقائية اعتذر لأهالي الشهداء

   وائل غنيم .. الذي لا يملك أي سلطة تنفيذية في مصر .. اعتذر ... لأهالي الشهداء ... بينما الرئيس و الداخلية و كل مسئول حقيقي في البلد لم يبك و لم يعتذر

   و لأننا و منذ سنوات نردد أن المصري لا ثمن لدمائه في أرضه .. و يموت المصري في عبارة أو حادث قطار آو في قسم شرطة و لا يعتذر أحد و لا يـُحاسب أحد.. فإن انقسام المصريين الآن يبدو منطقيا للغاية
    لقد اعتدنا الموت ظـُلما .. اعتدنا كل شيء ... و من السهل أن نسامح دون اعتذار .. و من الأسهل ألا ننتظر نجاح الثورة و من الأوقع أن ننقسم ... مصر قبل 25 يناير هي مصر بعد 25 يناير

    و هنا يجب على بعضنا أن يخرجوا من تلك الدائرة المفرغة و إن كنا لا نستطيع حل المعضلة فإنه يجب أن نلتف حولها.

     أنا هنا لا أكتب ضد الرئيس مبارك و لا أدعو ضد المتظاهرين .. أنا هنا أرى الأمور بشكل مختلف .. بشكل أدرك فيه تماما أن هذا الأمر اشبه بالتفاعل الكيميائي

   الكيمياء التي لم أحبها أبدا و درستها رغما عني تخبرك أن التفاعل هو عنصر تضيفه إلى عنصر آخر فيخرج لك عنصرا مختلفا تماما و تخبرك أنه طالما وضعت العناصر مع بعضها البعض صار التفاعل حتميا و النتيجة كذلك.
    الثورة كانت عنصرا..  و رد الفعل تجاهها كان عنصرا آخر و تم التفاعل
و كل ما نتناقش به و يصرف السحر أبصارنا إليه ما هي إلا المحفزات .. المحفزات في التفاعل ما هي إلا عوامل مساعدة فقط تُسرعه و لا تتحكم في النتيجة.
(الإخوان .. أمريكا .. إسرائيل .. الدستور .. الشرعية ... الخوف من المؤامرة الخارجية ..شباب الفيس بوك و مالهم و ما عليهم ... الخ)
كل تلك العوامل لم تك هي أبدا مربط الفرس و لا هي العناصر الأساسية للازمة هي فقط عوامل جانبية ننشغل بها أكثر مما ينبغي .. متناسين التفاعل الأساسي الذي يتم بالفعل ..
واقفين أمام المعضلة بعجز
العقدة في المنشار كما يقول المثل الشعبي
و نحن لا نريد قطع الحبل ...
فهل نستطيع أن نكون بالذكاء الكافي و نترك تلك العقدة في منشارها و نغزل حبلا آخر
هل نستطيع في دهاء أكبر أن نقلب السحر على الساحر
هل نستطيع خلق تفاعل مواز ينتج عنه ما يصلح استعدادا لأي نتيجة مجهولة للتفاعل الأصلي؟
هل لدى أحدكم أفكارا منطقية؟؟
أنا تراودني فكرة
لكني أود سماعكم

1 comment

عين فى الجنة said...

تحيا مصر وشعبها الجميل

Professional Blog Designs by pipdig