مدونة حكايات فريدة

ملامح لن تنسى



يقول المنطق .. أن التعليم و الثقافة هما ما ينيرا الوعي .. و يقول المنطق أن الطفل ينشأ كما تربيه .. فما بالك بالشعب
 أنا من جيل ... تحدى المنطق و كسر القاعدة لا بكونه شذوذها و لكن بكونه يمثل حالة خاصة يوافقها المنطق إن نظرت للصورة من بعيد.
أنا من جيل نحتت ملامحه الأيام بإزميل .. ملامح حادة صلبة صعب أن تغيرها ... لأنها نـُحتت بالطريقة الأصعب و لم تــُرسم بريشة انسيابية الحركة
علمنا الخوف أن نتوق  للشجاعة .. علمنا الجهل البحث عن المعرفة بأنفسنا ..
تعلم منا من تعلم في مدارس حكومية صرفت الوزارة المسئولة عنها ملايين الجنيهات فقط لتغيير نظام الثانوية العامة ثم إعادته!! أو التحير بين جعل التعليم الابتدائي ست سنوات أم خمس!! .. بينما تركت الفصول مكتظة بالطلاب و لم يعن أحد بالنشاطات  ولم تـُطور مناهج التعليم إلا بالطريقة التي تزيد الطين بلة.
فكان على كل صاحب موهبة أن يعني بموهبته بنفسه و يحيطها بكفه بعناية كي لا تنطفئ وسط رياح الصعاب التي واجهها كل شخص في تلك البلد.. علمتنا تلك الصعاب التمرد بالبحث عن منفذ .. عن لغة .. عن تعلم حاسب آلي .. عن تدريبات .
 عن أي علم يجعلنا قادرين على العمل في عالم لا يعترف بجهل و تأخر عالمنا الثالث الذي انتمينا إليه رغما عن إرادتنا.
عالم عجلة تطوره أسرع من أن تشعر بك و هي تدهسك


بينما كان منا من هم محظوظون و تعلموا تعليما أجنبيا على أرض مصرية .. فكان التناقض بين ما يتعلموه و ما يعيشوه صارخا فظل بداخلهم نفس الحلم أن يعيشوا في بلد متحضر كتلك البلاد التي يتعلموا تحت رايتها.
أنا من جيل لم يحمه جهاز الداخلية من صغار أو كبار اللصوص  و شهد هؤلاء الذين يهربون بقروض من بنوكه بينما هو لا يجد ما يعينه على الحياة.. و لم يحمه من انتشار المخدرات و الحشيش الذي يعد في مصر كالسجائر .. فقط وجه هذا الجهاز لتصفية حسابات خاصة من أجل النظام .. بينه و بين الإخوان أو المعتقلين السياسيين .
 جيل كان من السهل أن يسب أي فرد يحمل على كتفه نسرا أبيه و أمه بأقذر سباب دون أن يستطيع أن يرد الإهانة .. جيل كبله قانون الطوارئ .. جيل تعلم معنى كلمة حرية بالطريقة الأصعب .. بالطريقة التي يعرفها هذا القابع خلف جدران العجز ناظرا للسماء من وراء قضبان حديدية.
أنا من جيل خرج عليه بمنتهى الصفاقة أحدهم يوما مُعترفا بأنه أطعمه كل ما هو مُهرمنا و مسرطنا.. فاضطر للتعايش منتظرا في أي لحظة نتائج تحليل ما لتخبره بما لا يسر
جيل عرف أن التأمين الصحي ... مثله مثل كل شيء آخر بهذا الوطن ... فاسد ... فمن عليه الوطن الذي تسبب في مرضه بعلاجه.
نعم أنا من جيل كانت الهوة بين طبقاته واسعة لدرجة مخيفة .. جيل تعلم البحث عن الأمل عن طريق قمة اليأس
فعندما يضعك أحدهم في قبر بينما أنت تتنفس يجب أن تنبش بكفك بكل ما أوتيت من قوة بحثا عن نور.
جيل بحث عن عمله خارج وطنه و اضطرت كل كفاءة به إلى الهرب من ظلام فساد الداخل إلى نور حرية الخارج .. جيل تعلم البحث عن الاحترام و الكرامة بتجرعه مرارة الذل.

أنا من جيل تعلم حب تلك البلد عن طريق كرهها ... كره قـُبحها فلون وجهها بطريقته هو .. كره ضعفها فسندها بساعديه و كره قذارتها فملأ من نيلها كي يمسح عنها ما لطخه آخرون بجسدها .

نعم أنا من جيل ينقصه وعي .. ينقصه ثقافة .. ينقصه حياة كريمة .. ينقصه الكثير من التعلم .. لكني من جيل مؤمن ... مؤمن بذاته .. مؤمن بوطنه .. و ذلك الإيمان تحديدا هو بعد فضل الله العامل الحقيقي لإنجاح تلك الثورة
عندما قرأت يوما عن كيفية قيام الدولة الإسرائيلية بعدما كانوا أشتاتا في الأرض لا وطن لهم .. و ذلك الذكاء و الصبر الذي مكنهم في النهاية من الوصول لهدفهم قلت بمنتهى الحيادية هذا شعب عنده إيمان .. إيمان بفكرة ما .. حتى و إن كانت خاطئة لكن إيمانهم بها هو ما ساعده على التنظيم و العمل الدؤوب الواعي
الإيمان ... هو صانع المعجزات .. نحن لسنا كغيرنا .. لا نوجه إيماننا لسلب وطن غير وطننا و لا خير غير خيرنا .. نحن نؤمن كي نأخذ ما هو حق لنا
أنا من جيل لن ينسى ما تعلمه بالطريقة الصعبة و لن يمحي ملامحه أحد .. لأن تلك الملامح نحتها الزمن بالصخر .
جيل سيعلم العالم أجمع أن المشقة لم تكمن في الوصول للقمة بعدما أهالوا علينا التراب وأدا و لكن البقاء على تلك القمة هو ما سيكتبه التاريخ يوما ما.
أنا من جيل صارت كلمته التي يهمس بها و يصرخ بها ضاحكا و باكيا و مستبشرا
"أنا مصري"




No comments

Professional Blog Designs by pipdig