مدونة حكايات فريدة

اقرأها أو اكتبها لكن آمن بأهميتها





الرجل المنطقي يتكيف مع العالم؛ والرجل الغير منطقي يصر على جعل العالم متكيفا معه ومن أجل هذا يعتمد كل تقدم على الرجل الغير منطقي
جوروج برنارد شو




واحدة من النقاشات التي خضتها عدة مرات بحياتي كانت نقاشا حول أهمية الكلمة و مدى تأثيرها !

" الكاتب" هل هي مهنة يقتنع بها الآباء مثلما يقتنعون بحلم أن يصبح ابنهم طبيبا أو مهندسا؟

في مصر , تحديدا تجد ذلك المفهوم المشوه للمنظومة التعليمية و العملية , حيث كليات " القمة" هي الطب و الهندسة و الصيدلة

و ذلك يضع في الأذهان كل المهن الأخرى في ذيل القائمة من حيث الأهمية و المكانة الاجتماعية

و من أجل هذا السبب تحديدا أجبرني والدي أن أدرس الصيدلي , و كل تلك المرات التي حاولت أن أفهمه فيها أنه ما من حضارة ازدهرت دون أن تحوي عددا لا نهائيا من الفنانين المهرة مثلما تحوي عددا مساويا من الأطباء , الصيادلة و المهندسين

كنت لم أزل بعد صغيرة , لا أدرك أن ما يحدث بمصر هو تشويه متعمد للبنة الأساسية لأي تقدم بديهي , ألا وهي " التعليم"

كان والدي جزء من مجتمع يحيا مفاهيم خاطئة أغلبها مادي, و ذلك النقاش الغير مجدي لم يكن ليؤدي إلى أي مكان.

و كيلا أظلم الرجل , يجب أن أعترف أني قد خضت نفس النقاش فيما بعد بحياتي و لكن بصور مشابهة , فلقد كتب علي أن يكون محدثي غالبا صيدلانيا أو طبيبا أو مهندسا , أو أحد من تمنوا أن يصيروا أحدهم ,  ينظر لي ككاتبة تكلم شخوص خيالية في ذهنها و تحاول احتراف الكتابة , كأني مخلوق غريب , أؤمن بأهمية شيء ما, لا يراه محدثي على نفس القدر من الأهمية.

أثر الكلمة و الكتابة بدت لي دوما مناقشة تدعو للتعجب  عندما أنظر لمحدثي و أنا أعرف أن معظمنا يدين  بدين لرسول كانت معجزته كتاب و كلمة !

و تعلمت أن أتركهم يتكلمون و أن أكتب أنا , الاختلاف يحفزني للكتابة و النقد يسعدني بشكل لا يتصوره منتقدي.

و صارت تلك هي العادة , مقابل كل نقاش , كتبت كلمة أو قرأت جملة , و قد كانت مبارة عادلة لكلا من الطرفين , فهؤلاء المنتقدين الماديين ضيقي المنظور , يجنون المادة و احترام المجتمع.
و أجني أنا المعرفة.

طبعا لا مطلق, قابلت في حياتي  من يعمل بأحد مجالات القمة , " على حد التعبير المصري", و يذهلني وسع ثقافتهم و إيمانهم بأهمية الفن و الأدب.

و هؤلاء تعلمت منهم الكثير و لم أزل.

و يجب أن أعترف أني أحب كوني تلميذة , و تلك المتعة تخلق في وجداني حالة من النشوة صعب أن أصفها
لذا و أنا أتعلم عن نماذج من الشخصيات الأمريكية , التي استطاعت تغيير المجتمع عن طريق " كتاب" , كنت مبتسمة و أنا أتخيل كل المرات التي خضت حوارات مرهقة حول أهمية الكلمة , كي أجد معلمتي , تخبرنا عن قوة الكلمة و تعرض علينا نماذج حقيقية لبشر غيروا الكثير من خلال كتاب ووقفوا في وجه المجتمع و انتصروا عليه بالفعل و وحدهم.

و الأكثر من هذا أن العالِم نفسه قد يحتاج الكلمة , كي يغير , مثلما فعلت البيولوجية
Rachel Carson
عندما كتبت كتاب " الربيع الصامت" في الستينات
Silent spring
كي تنقل للقراء أبحاثها القلقة حول الاستخدام المفرط للمبيدات الحشرية " الدي دي تي " وقتها , و أثره على البيئة

مثال آخر من الستينات,  لرجل كتب كتابا و تحمل من أجله التهديد و محاولات تشويه السمعة في مقابل الوقوف بعزم كي يدافع عن فكرته , هو
Raleph Nader
عندما كتب كتابا يشرح فيه المخاطر التي يتعرض لها سائقي السيارات لأنها غير مزودة بعوامل الأمان اللازمة تحت عنوان " غير آمن تحت أي سرعة"
Unsafe at Any Speed

و بالطبع كان رد فعل شركة جنرال موتورز في ذلك الوقت أنها حاولت تهديده و أجرت من يتعقبه و حاولت إغوائه و تشويه سمعته لكن في نهاية المطاف , " رالف نادر" قاضاهم و كسب القضية من أجل إيمانه بقضية أمان المستهلك و اليوم يعتبر الباحثون أن ذلك الكتاب و مجهود ذلك الرجل هو السبب الرئيسي وراء كون شركات تصنيع السيارات تزودها بعوامل الأمان مثل أحزمة الأمان و الوسائد الهوائية .... الخ

أحيان يكون كتابا واحد كافيا لكي يغير شيء ما , و أحيانا حياة كاتب أو باحث أو معلم تكون في حد ذاتها سببا في تغيير آخرين.

في ظني الشخصي أن مهنة التعليم من أرقى المهن بتاريخ الإنسانية و في الحضارة القديمة كان يجب أن تكون معلما كي تنقل تلاميذك سواء فنك أو علمك.

على المستوى الشخصي , لا أستطيع الزعم أني أثبتت لأي ممن ناقشوني أي من أفكاري , فأنا لم أزل تلميذة أتعلم .

لكني إيماني في حد ذاته بالفكرة أعطى إدراكي بعدا آخر للاستيعاب.

لم تشكل حقيقة كوني أحد خريجي كلية القمة أمرا أراه يميزني , لأن قناعتي بذلك المفهوم في حد ذاته غير موجودة.

في العلم لا يوجد قمة ما كي نصل إليها , كلنا تلامذة مجتهدون , نقضي أعمارنا كي نصل إلى نظرية أو فكرة و أبحاثنا أو كتابتنا تدور حول إثباتها ثم يأتي آخرون بعدنا كي ينقضوها أو يطوروها و تأتي معرفة جديدة!

إن لم تستطع أن تكون معلما فعلى الأقل حاول أن تكون تلميذا و إن لم تستطع أن تكتب كلمة فعلى الأقل احترم كاتبها.

فكل ما أنت به اليوم , سواء دريت أم لم تدر , نتاج مجهود هؤلاء الذين أثروا في المجتمع بدلا من أن يتأثروا به.


3 comments

Ramy said...

(:

مش عارف ليه طول البوست مبتسم

لأنى غير منطقى

(:

بس مش هغير العالم

((:

Ramy said...

نسيت أقولك صحيح

ف مرة دكتور فى الكليه قالنا ان كلية القمة هى الكلية اللى انت تصل فيها لقمة أبداعك

دة دكتور طبعاً فلته من باقى الدكاترة اللى كرهونا فى الكلية و سننها

((:

اه صحيح أنا خريج بكالوريوس تربية نوعية تكنولوجيا تعليم ((:

و انا الحمد لله موصلتش فيها لقمة أبداعى

بالرغم انهفيها دراسات كتيرة لو اهتموا بيها هتخرج مبدعيين فى حاجات كتيير

ياله بقى انا بقالى فترة كبيرة معلقتش تعليق طويل

جت فيكى يا دكتورة

(:

يا مراكبي said...

مقال رائع وأؤمن به تماماً

لكن ما يحزنني هو الواقع

فالمُجتمعات المادية مثل مُجتمعاتنا قد تضطر المُبدعين تحت وطأة الحاجة إلى أن يكفروا بالإبداع ويتجهوا إلى المادة، وهو أمر لا نستطيع أن نلومهم عليه للأسف

Professional Blog Designs by pipdig