نزلت من عنده و تطلعت ورائي كي أرى المبني الذي
يحوي مكتبه , و تذكرت يوم قابلته هنا أول مرة من أجل العمل ,و تنهدت و أنا أضع
نظارتي الشمسية و آثرت السير قليلا كي تهدأ أعصابي , لم أقل يومها سبب بقائي معه , لم أجبه على سؤاله الدائم " لماذا؟"
لم أخبره أنه صادق و كريم و عفيف النفس و معطاء
, و ذكي و عاقل , و مثقف , و لا ذكرته بأنه كان دوما ينجح في إضحاكي مهما كنت مكتئبة و امتصاص توتري مهما بلغ
مداه , و أنه كان يعرف كيف يغازلني و يسخر مني في نفس اللحظة , و أنه كان يشبهني
في معظم الأشياء لكن مضاعفا .
لم أشرح له أبدا مقدار حساسيتي التي فاقتها حساسيته و أني لم أكن مع شخص بعمري و سمحت له أن يعطيني
قدر ما أعطاني هو , و أني كلما كنت ارجع لذكرياتنا أجدنا قد فعلنا كل الأفعال
الطيبة معا ,تاركين أثر بكل مكان محتمل , لم أشرح شيئا , لا في تلك المرة التي
تشاجرنا فيها زاعمين أننا لن نتقابل أبدا , و لا المرة التي تلتها و لا التي
تلتها.
لو أنني قلت له أنه كاذب , أناني , و مدعي , أضعف مما ينبغي و قوته يستخدمها
فقط للحصول على ما يريد , لذا هو لا يستحق
الحب , لبدت له تلك الكلمات أكثر تصديقا !
لكن روحه كانت أكثر صدقا من ألاعيبه , كانت تعود
به, و ربما لم يرحل عني كما زعم كلانا و كنت أنا لا أريد الفراق لكن رحيله في نهاية المطاف كان حتميا و متوقعا,
رآني بحساباته اختيارا غير ملائم و رأيته ببصيرتي اختيار يحوي مخاطرة لا تُغفل .
أخبرته ظنونه و هواجسه و قناعاته المتناقضة أنني نزوة يجب عليه تخطيها و أقنعني
تعبي البادي في علاقتي به أني يجب أن أتركه يبتعد. وردد كل المحيطين - حتى دون معرفتهم بالتفاصيل - بأنه شر مستطير و أنه
إن كان هو بشرق الأرض يجب علي سكن مغربها !
في لحظة ما قررت السفر خارج مصر , لأني كنت لم أتعاف بعد من كل ما حدث بحياتي الماضية عندما اعترض طريقي رجل غفلت اسمه و رفضت الاعتراف بحكايته , فبدا السفر حلا ملائما . لكنه كان قد رحل عني قبل السفر.
لم أكن متزنة في
علاقتي معه و لا ينفي هذا اضطرابه هو الآخر , الفارق بيني و بينه أنه زعم أنه يعرف
تحديدا ما يريد في تلك الأيام بينما أنا و بعدما انجذبت إليه رغم كل عيوبه, قررت
أني لا أستطيع تحديد ما أريد بعد إن كنت قد تورطت في علاقة بها من التناقضات ما يصعب
وصفه , فبقدر الراحة كان التعب و الانجذاب كان للنفور ند لا يتزحزح .
أخافني حبي له
لأني كنت أخشى أن أرتبط ثانية ثم أنفصل , المجتمع لا يرحم لأن أسس منظوره لم تقم
أبدا على العدل الإلهي قدر ما قامت على المعايير القبلية و قد كان هو واحدا من هذا
المجتمع , يرى " الطلاق" كأنه نقص ما ! حتى و إن حدث لأحب الناس على
قلبه لا تستثنيهم المحبة من النظرة المنقوصة و لو ضمنيا .
هو الآخر كان يخشى
الارتباط كيلا يفشل و من هنا بدأ تقاربنا ! كانت بداية غير تقليدية لعلاقة لكنها و
مثل جميع العلاقات تشابهت في النهايات.
التقارب
الإنساني يقوم على الإعجاب و الاحترام و
الثقة , غياب أي من تلك العوامل ينهي أي علاقة و هو لم يثق في لغيرته الشديدة و شكه, و دفعته أحكامه الخاصة
ألا يحترمني أيضا , و أنا لم أسع لثقته و لا احترامه , و ربما أكون قد دفعته للعكس
. لذا بدا رحيله بديهيا, و لقد تركته يرحل و لم أستبقه.
عرفت أن المجهود الذي يبذله شخص من أجل امتلاك الآخر هو مجهود عبثي
, ففي النهاية يبقى الصدق مهما كذبته مخاوفنا و الحب ليس بكلمات و الثقة ليست بوعود و الاحترام في
الرقي الحقيقي و معاملة إنسانية الآخر قبل كل شيء, و قد كنت أعرف رغم كل شيء أني
امرأة راقية , بحق.
كل ما ملكه هو لم
يكن ليلزمني طالما لا يُصدقني و كل ما ملكته أنا لم يلزمه لأنه ليس هو ما سيرضيه , كان بيننا فارق وقت و فارق
منظور مجتمعي ,لقد رأي هو الحياة بمقاييس لا تناسبني و قد كنت أنا خارج حدود مقاييسه و لم
تكن المعضلة في أن نتوصل لمنطقة وسط , فلا وسطية في حالتنا , لكن المعضلة بالنسبة
لي أني كنت لم أزل أعجب به و أحترمه رغم اختلافنا و أثق به أيضا لأنه كان صادقا رغم أنانيته ,لذا كان الرحيل صعب علي أنا ,
لكني في النهاية استطعت .
18 نوفمبر 2011
No comments
Post a Comment