مدونة حكايات فريدة

كتابة ذاتية بحتة







مصر في يونيو 2013
يونيو الماضي كنت محتارة, هل أسافر أم أبقى ؟! و سافرت ثم عدت

الكل نصحني ألا أعود, لكني كنت أحن إلى أمي و حضنها و جدالنا و اختلافنا و مشاركتنا كل شيء, رغم عدم تجانس فكرنا
كما كنت قد كبرت في نهاية الرحلة على الأقل عشر سنوات فبدا وجهي عجوزا لأول مرة بعمري , وجسدي يتداعى من الألم و الإجهاد بينما قالت لي الطبيبة , لن تتعافي قبل ثلاثة أشهر , فصبرت نفسي بأنه يوم ما سأتمدد بفراش أمي مبحلقة في السقف لا أفعل شيئا مطلقا , أعطي جسدي فرصة الشعور بنعيم الراحة و الكسل , ليعود وجهي صبيا كما اعتدته , وعدت نفسي ألف وعد كي تصبر علي و تمهلني كي أعبر


ثم عدت إلى مصر التي طلب مني الجميع ألا أعود إليها, لأن النور قد انقطع عنها ! لم تعد مصر هي مصر التي عرفتها و لا التي غادرتها

بينما صرت أنا أكثر هدوءا و سكينة و سيقولون أن أمريكا هي السبب لأنهم يريدون أن يقتنعوا بهذا , و سينسبون لأمريكا كل شيء , تغير أسلوب كتابتي و خفوت حدة صوتي و صمتي و حتى تلك الأشياء التي كانت تميزني بالفعل قبل سفري ستُنسب يوما للرحلة !

لكني أعرف الأسباب و لا أخبرها

لقد هان كل شيء لدرجة صعب وصفها, و كأنني قابلت الموت فلم تعد روحي كروح البشر!
و تسألني صديقة عن حبيب سابق و تسألني أخرى عنى مغزى كتابتي , فأضحك , مصر يشعلها الإخوان و حياتي تواجه المجهول بعد أن زهدت كل شيء فكأنما لم يعد لأي شيء معني و لم يزل السؤال الأبدي

" هل تكتبين ذاتك يا أميرة؟"


و ماذا لو كتبتها, أي شقوق ستداري الخلق عندما يأتي وقت يُحصحص فيه الحق ؟!

صرت متيقنة أكثر من ذي قبل أن قوتي تكمن في صدقي , المحيط أضعف مني بمراحل و كم وطئت ازدواجيته بكعب مُحنى بالياسمين باستهتار مُغوي و مثير للدهشة و الرغبة

الآن يطأ اللون الأحمر بدبيب الخوف قلوبنا فرائحة الدم بالأفق و الإخوان المسلمون لا هم إخواننا و لا الإسلام يرتضى الفتنة و الشقاق

هي لعبة السياسة القذرة كما هي العادة, و المال و السلطة بلعنتهما التي تقلب الخير إلى باطل, فيضيع أمل الإصلاح و يعلو صوت غوغائية المُتناحرين!

الأمور ازدادت عبثية حتى صعب على الكلام و صفها و كلمة واحدة تربعت على عرش الأبجدية مؤخرا هي " أزمة “, أزمة طاقة, أزمة وعي , أزمة معارضة و نظام حاكم!

أسترجع أنا أزمات عمري لأتفكر بما كان ,بينما أستعيد بعضي رويدا و وجهي يقولون أنه أزداد ملاحة فأضحك , لم يحدث سوى العكس بفعل العمر لكنه وهم انتظار التغير , فأرض الأحلام الموعودة يجب أن تصيب من يطأها ببعض من وهجها!

"هل تكتبين عن الرحلة ؟"
"كلا "

الكتابة هي الثابت الوحيد بحياتي و اليوم تتدلل علي !

" لقد كنت سيدة تكتب ثم صارت الكتابة سيدتي "

هذا ما أكتب بعد عودتي, و أخبرهم أن الحال لم يعد هو الحال , لكن البشر هم البشر , مصر تخرب أو تعمر , يهاجرون إلى غرب الأرض أو يبحثون عن الرزق بأراضي النفط , كلهم عزيزي يبحثون عن الحب و السكينة و الجسد الذي بين ذراعيه يكتمل وجودا و العشق الذي يجعل ضحكات العمر أكثر صفاء و عذوبة


البشر هم البشر و لقد سمعت نفس الكلمات بالانجليزية كما سمعتها تكرارا بالعربية 
في الحرب و السلم , في الفقر و الغنى , تظل الوحدة خواء ينهش الروح و يظل دفء الونس عمار و رضا 

و يظل الله أكبر من كل شيء, رغم أن العدل لا يأتي سريعا و أولاد الحرام هم من يُمد لهم في النعيم بينما يُعاني المُبتلون فيتلهون بالصبر
الله أكبر رغم أن المحيط صار عبثيا لدرجة خانقة و لا يوجد بعد بصيص أمل و الغد مجهول لا نملك له و لو توقعا!

متحيرة أسأل رفيقة عن إشكالية الوجود فنتفق على إعادة قراءة الكتاب بحثا عن تأويل ! و نتحاور هل هو الدين ما يكبلنا أم أننا نحن من جعلنا من الدين قيدا؟

شيخ أم عسكري ! منذ خمسينات القرن السابق لم يحكمنا من ليس منا! القاتل و المقتول عشيرة واحدة رغم أن الإخوان ليسوا بإخواننا و الإسلام صار أكثر الأديان جدلا في تلك الألفية, و الذقن و الحجاب يعبرون عن أشياء لا تمت لنا بصلة 

لكن يظل الله أكبر 

الله , إلهنا نحن الذي لا نستخدم اسمه كي نسوس شعبا و لا كي ندعي ورعا , إلهنا نحن الذي نسأله و نرجوه أو نستغفره سرا ثم نعود لمعصيته أحيانا كثيرة , الله الذي ننساه و نتناساه هو الأكبر , و في تلك الكلمة معاني عميقة لمن يتفكر

أحقق وعدي لنفسي و أتمدد على السرير مبحلقة للسقف في خمول , و أخبر أمي لأول مرة عن الرجال و الحياة و الحب , و أصبر على مشاهدة المسلسلات التركية المملة معها لأقول لها أن الحياة الحقيقية بمقاديرها هي أغرب و أجمل من تلك الحكايات الطفولية التي تتلهى بها النسوة

و أخبرها صراحة أني أبحث عن الله , و أنني كنت غاضبة من العالم و أني قد زهدت كل شيء لكن لم يزل بإمكاني العشق بحرارة أحمق غِر! و أني قد سُئلت يوما " ألا تخشين الغد أبدا ؟" فعرفت وقتها أني متهورة أو حكيمة ,لا أدري بعد!

أحكي لها عن عوالم أخرى, عن أشياء فعلتها و عشتها, عن صدف قابلتها أكثر غرابة من أن تُصدق

و تخبرني هي عن يعقوب بطل المسلسل المكسيكي و كيف يضطهده الجميع ! و تخبرني عن كل ما حدث في مصر أثناء غيابي ثم تسألني متى سأتزوج لأريح قلبها؟ وتُلح علي أن أبدأ في كتابي التالي و تطلب مني ألا أكتب كتابة ذاتية حتى أهرم في العمر فأسألها "و ماذا لو لم أعش حتى هذا الأمد ؟"  فلا تجادلني و توصيني بعد مشاهدة الفاصل الإعلاني أن أصوت لأحمد جمال كي يصير أيدول العرب !

1 comment

يا مراكبي said...

شعور مُتبادل يا عزيزتي

فالسفر والغُربة تبعث في النفس روح التأمُّل والتفكير بعُمق، وكلنا يصل إلى ما خلصتي إليه

لا شيء يهم كثيراً وكل الأمور سواء

نحن من نعقد ما لا يسنحق عناء التعقيد أو حتى التفكير

Professional Blog Designs by pipdig