مدونة حكايات فريدة

عائش بين الحقيقة و الخيال



قرأت رواية الجميل " احسان عبد القدوس" - لا شيء يهم- لأول مرة و انا في الثالثة عشر من عمري
كانت عند بنت خالي التي تكبرني بأربع  سنوات
و أذكر أني عندما قرأتها .. لم أستطع تركها حتى انهيتها 
جلست جانبا ممسكة بالرواية .. غير قادرة على الالتفات عنها
كان إحسان يصف " محمد" و كأنه يصف الفنان .. الذي بداخلي و بداخل كل من يعتقد في نفسه هذا المس الممتع
محمد.. العائش دوما بين الحقيقة و الخيال
الذي حول هذا الحاجز السميك الذي بينهما إلى شعرة لا يراها.. هو ... و لا يشعرها من معه
محمد المنطلق بالحياة و هو يهز كتفيه أمامها بإستهانة
لأنه لا شيء يهم
تلك الرواية
جعلتني أدرك
المعنى الحقيقي للحياة
إن الحياة ...  كما رآها محمد هي مسرح
لم أؤمن كما آمن محمد .. بأن الخيال وحده يكفي فأنا أعشق الحكايات الحقيقية
عرفت من " لاشيء يهم" انك عندما تغرق في الخيال.. لا ترى البشر إلا كما تريد أن تراهم
و انا كان لي أمل
أمل أن ارى من خلال البشر
أرى حكاياتهم و أرويها
لا أختلقها و اعيشها
...
محمد العائش بين الوهم و الخيال.. الذي يصنع من خياله دنيا .. تكفيه .. و يصر بعناد غريب ان يقحم من معه فيها
لم ير سناء .. أحبها لكنه لم يرها و لهذا خسرها
إن من يعيشون في خيالهم لا يروا إلا ما يريدون
...
لزمني الكثير حتى ارى .. انه ليس الفنان وحده هو من يرى الحقيقة بنصف عين
و ان هناك أشياء أخرى كثيرة غير روح الفن هي ما تجعلك ترى الدنيا بنصف عين
الأنانية أولها .. و الغرور و الكبر
لا أحد يريد ان يرى
...
لم أستطع أبدا في حياتي أن أستغنى بالخيال عن الواقع.. رغم إدعائي اني كاتبة
يجب دوما أن اعيش .. اقترب لألمس .. لأرى .. أشتم .. أذوق
الحواس تستوعب
و الخيال يجعل من إستيعاب الحواس متعة قصوى
حتى في حكايات البشر
لا أرضى بأقل من العري الكامل
أرى الناس عرايا من إدعائتهم و كبرهم و كذبهم
أراهم عرايا كي أستطيع كتابتهم


و عند الكتابة فقط .. انفصل
لأني ارحل إلى هناك
الكتابة نعمة .. الفنان هو شخص انعم الله عليه أن يرى الدنيا بعيون مختلفة .. و مقدرة أن يحاول أن يهب الآخر رؤية الدنيا من خلال عينيه
عندما أكتب أشعر بتلك المتعة التي كان يعيشها دوما محمد .. تلك المتعة التي لا تعادلها متعة اخرى .. التي تجعلك تهز كتفيك بإستهانة للدنيا مرددا

لا شيء يهم



7 comments

محمد عبد الغفار said...

قليل من الخيال لا يضير ، انما العيش فيه دوماً فهو جحيم الدنيا والأخره لأن هناك الف شئ يهم

يا مراكبي said...

كنت قد فكرت في ذلك الأمر كثيرا .. وتوصلت إلى أن الحواس التي يستخدمها المبدع تختلف تماما عن الحواس العادية التي يستخدمها الإنسان العادي

فالمبدع قد يرى الأشياء بقلبه وليس بعينيه .. يرى جوهر الأشياء ومعانيها وليس ظاهرها .. إنه أمر يمس حواسا أخرى تتوفر فيه ولا تتوفر في الشخص العادي

الجــــيرة والعشــــرة said...

الفنان هو شخص انعم الله عليه أن يرى الدنيا بعيون مختلفة .. و مقدرة أن يحاول أن يهب الآخر رؤية الدنيا من خلال عينيه

دة صحيح، كان في فنانة روسية كان لي حظ إني أخدت كورس رسم عندها، كانت دائما بتلح علينا في ضرورة النظر وتخزين اللقطات والمناظر والبحث عن مقاطع مميزة فيها، ووظيفة الفنان إنه يحرك ريشته علشان يجسد الجمال إللي هو شايفه في صورة لوحة للناس تشوف جمالها معاه.

youssef said...

عندما قرأتها كنت في العشرين .. و لم أستطع أيضا أن أترك هذه ال500 أو 600 صفحة حتي التهمتها .. لا أعرف مدي جودة الرواية من زاوية النقد المتفحص .. لكنها عملا ممتعا لا شك و هو يكفيني .. شئ أشبه بالحواديت أو قصص جدي الممتعة القديمة .. الطريف أني لم أشعر أبدا أن احسان كاتبا له وزنه و في نفس الوقت الرواية الوحيدة التي قرأتها له من أجمل ما قرأت
!!
لقد عرفت معها الحياة من خلال حلمي .. ربما لأنه يحكيني و يحكي كثيرين كما أتصور .. عشت معه رحلته من نفسه و نزواته الي عقله .. من الشيوعية الي الاخوان الي الاشتراكية .. و انتهاء بالمجتمع .. الحياة بحث .. رحلة بحث .. عن حلم .. أمل .. بارقة نور .. وجدها حلمي أخيرا في قوة الجماعة .. الناس .. و من خلفهم - أو أمامهم - تنظيما .. يمثل أحلامهم في الوحدة و التواصل و الحب .. هذا التنظيم ليس قوة قاهرة بل وسيلة .. هو الترتيب و التخطيط .. هو العقل الذي يحقق حلم العاطفة .. هذا هو المسعي ..
كان حلمي ملايين حلمي يعيشون في هذه الفترة و يثير السخرية المبكتة ما يمكن تصوره عن نهاية رحلته العظيمة الي لا شئ بعد سنوات .. عندما تنجلي حقائق التنظيم القبيحة لتمحو وجهه الجميل : 1967.. و كيف يصبح بسهولة توفيقا جدايدا في السبعينات او الثمانينات

أما محمد العائش بالفعل في الحلم .. فقد أحببته جدا كمثل أعلي و تعاطفت مع هذا الكائن الخرافي الذي يحقق طموحنا البعيد علي الورق .. كم حزنت لانكساراته التي هزمته عندما نزل واقعنا بالزواج أولا .. ثم الأبوة أخيرا .. لينتهي بهذا المسخ الشائه الذي ضاع بين عالمه القديم المفقود و عالمه الجديد الذي لا يفهم مفاتيحه و أدواته .. محمد نغمة موسيقية حالمة نسعي اليها لننتشي أحيانا و نستمتع بلحظات الهروب من انماط حياتنا الحقيقية .. أما أن يعيش محمد في عالمنا فهو المستحيل .. و رغم ادراكي ذلك فهو ما فطر قلبي في نهاية الرواية

انا لم أضف جديدا لكني أحببت المشاركة بعد أن أمتعني تعليقك الشيق علي الرواية و طرحك لفحواها

تحياتي

Amira said...

محمد
لماذا جحيما يا محمد
!!!!

لا ألف شيء يهم

و حقا لا شيء يهم
الدنيا أهون مما نظن
و لولا هوانها لما استطعنا المضي قدما

Amira said...

الاستاذ احمد القاضي

أتفق معك تماما
..........

الجيرة و العشرة

الرسم فن رائع .. أشعره أحيانا أكثر حظا من الكتابة

لي صديقة رسامة و فنانة
معها كنا نرى الحياة بعيون غير البشر

تحياتي لك

Amira said...

يوسف

بل أضفت الكثير
تحدثت عن الرواية بإستمتاع جميل

لماذا لم تأخذ احسان على محمل الجد ككاتب

أذكر مرة أستاذة في الأدب المقارن في السوربون قالت لي شيء من هذا القبيل عن إحسان عبد القدوس

أنا أشعر أن إحسان بارع في تشريح النفس البشرية
كاتب يستحق التقدير


ربما لغته السهلة هي ما قلل من قيمة كتاباته .. لا أعرف فأنا لم أدرس النقد

لكني أحبه ككاتب
و أرى له مساحة خاصة مختلفة عن غيره

أشكرك للمشاركة
و لك مني تحية

Professional Blog Designs by pipdig