مدونة حكايات فريدة

كثير من الخوف





الخوف هو أعظم درجات الابتلاء .. كنت أمر على تلك الآية التي تخبرنا أن الله عز و جل يبتلينا بالخوف مرور الكرام .. حتى خبرته منذ فترة و بصفة شخصية .. وقد كان ابتلاءا عظيما على .. علمني أنه مهما كان لدينا من عقيدة و ثبات و رضا قد نمر بابتلاء ما يزلزلنا و نعود لتلمس القوة بالتضرع إلى القوة العليا التي نؤمن بها و بصفة شخصية كنت أصلي لله بكل ما أوتيت من عزم .
الخوف يداهمك .. يشل تفكيرك و يجعلك جزعا فزعا و متخبطا .. يقلب حالك بكل ما تحمله الكلمة من معان .. لا يوجد ما هو أسوأ من الخوف لأنه الابتلاء الذي يفقدك الوسيلة التي من الممكن أن تواجه أي ابتلاءا بها
اليوم أرى الخوف ثانية لكن في ابتلاء جماعي ..مصر اليوم مبتلاة بالخوف .. أتفقد من حولي لأجد الجميع خائف ... مضطرب ... يـنظر فلا يرى .. يــُنصِت فلا يسمع ... يتكلم فلا تفقه له قولا .. الخوف يشل حواسك و يستحوذ عليك .... و اللغة الوحيدة التي تـُرضي خوفك هي الصراخ و الاستغاثة
المصريون خائفون .. مصر تمر بأحداث جسام متلاحقة و متسارعة ... و هناك فوضى تؤجج نارا ينعكس على إثر لهيبها ظلالا لأشباح رعب يتعاظم يوما بعد يوم... ذلك الرعب هو من المجهول من الغد الغير معلوم أو المستقر بالنسبة لنا
       نرى اليوم الكل منقسم .. و يظهر بالصورة  عدة أشخاص يرى البعض أنهم مجرد متنازعين على السلطة .. و يتساءل الجميع ماذا بعد ؟!.. و يتوقع المتشائم المزيد من الفوضى حتى و إن تنحى الرئيس
و يتساءل أي ثورة تلك التي بلا زعيم و يرى في عدم وجود وجه بديل واحد و أوحد مسبب آخر لمزيد من الخوف.
       إن هذا الخوف هو رد فعل منطقي للغاية لكل ما يحدث .. ورد فعل أكثر منطقية لطبيعتنا كشعب لم يعرف معنى الديموقراطية ... إن الديموقراطية لا تعني الفوضى كما يتوهم الفكر القاصر و النزاع على السلطة لا يعني الهلاك و الاختلاف لا يشير إلى عدم التوازن
يجب أن نبدأ في مرحلة جديدة نعي فيها .. أننا نختلف و نقترع و ننصاع لرغبة الأغلبية ... إذا ما تأملت الحال حولك منذ بضعة اشهر أو سنوات و تابعت برنامج حواري أو جلست وسط عائلة مجتمعة و شاهدت الطريقة التي نتناقش بها و نتعصب إذا ما طـُرح موضوع ما للنقاش و شاهدت التعصب و الاستماتة لإثبات وجهة النظر و الحوز على الموافقة عليها .. لعرفت ببساطة أن عدم تقبل الآخر المتأصل في فكرنا ما هو إلا شكلا من أشكال غياب الديموقراطية الذي عشناه طوال عمرنا جيلا وراء جيل .. إننا لا نفهم فلسفة الإختيار .. لأننا لم نختر منذ عقود و عقود .. لم نتعلم أن نختار .. حتى صارت الراحة للأمر الواقع أمرا متأصلا فينا .. و على هذا الوتر يعزف من يرى الآن أن في إقالة الرئيس هلاك للبلد ... يضحد هذا القول التساؤل البسيط عن ماذا لو كان الرئيس قد مات ؟؟ .. أو ألا يوجد في مصر رجل يحل محل الرئيس ؟؟ و الإجابة هي بلى يوجد رجال .. و في هذه الطامة الكبرى .. لأن مجرد مسئولية الإختيار شيء مخيف بالنسبة لنا .. لأننا لا نتقبل سوى رأينا نحن و لا نعرف تلك  الأيدولوجية التي تنص على أن نتقبل رأي الأغلبية .. في ظل هذه الحقائق .. يسيطر الخوف ... نحن أشبه بطفل خائف فقط لأنه  لا يعرف.. لأنه يتعلم شيئا جديدا
من قال أن المراحل الإنتقالية سهلة ؟؟.. إنها أشبه بالمخاض و المخاض قاتل اسأل أي امرأة عن آلام المخاض تخبرك أنه أصعب الآلام .. مصر في حالة مخاض .. ننزف فيها و يصيبنا الخوف و ننتظر بترقب الخلاص
تكره الغالبية أننا نعيش تلك الأيام فأسألهم أنا بصدق .. و هل كانت أيامنا تتجه نحو الأفضل؟؟؟ هل كنا  مثلا نعيش من أحسن إلى أروع و قامت ثورة بلا مبرر؟؟ .. نحن لا نختار زمننا و لا أرضنا .. القدر يختار لنا المولد و الوطن .. لكننا قطعا نختار الطريقة التي نعيش بها و الحالة التي نموت عليها ..لذا فإن التعقل يقتضي أن نتخلص من خوفنا رويدا رويدا و نتشبث بالديموقراطية .. تلك الكلمة الجديدة على مرادفات قاموسنا .. نتعلم أن نختار و نحترم رأي الأغلبية .. و نتصدى لهؤلاء الذين يستغلوا ما رسخته بداخلنا القرون الماضية من عدم القدرة على الاختيار و الهلع من عدم إتزان المرحلة الإنتقالية و يحاولون بكل عزم إسقاطنا في ما يشبه بحرب أهلية .. و تقسيم لا مبرر له.. لو أننا فقط أدركنا بهدوء أن غدا أفضل و تخلينا عن العصبية القبلية البالية و إتجهنا جميعا نحو الغد .. سنمر بهذا المخاض بسلام و سنتبسم في وجه زمن جديد وليد نــُعلِم  فيه أنفسنا بأنفسنا ما لم نعرفه قبلا لنحبو ثم نسير ثم نعدو ركضا نحو النور

3 comments

Nermeen said...

Yeslam bo2ek.. Allah Farida...
I wish we can publish this & have a helicopter drop it on everyone in the country...

Ya rab hawen...

يا مراكبي said...

لم يتعلّم الشعب بعد مُمارسة الديمقراطية

فالكُل كان يحلم بها ويُنادي بها

وعندما تمت اتاحة الفرصة لمُمارستها .. وجدنا أنفسنا غير مؤهلين بعد لذلك

وثقافة الإختلاف هي أكبر دليل على ذلك

فالمبدأ السائد أن الآخر هو عدوي لو أن رأيه مخالفاً لرأيي

Amira said...

ياباشمهندس

ليتنا نتعلمها
فقط نحتاج الوقت
أو هذا ما آمله أنا
لكني أعلم يقينا أنه سيتحقق يوما ما

Professional Blog Designs by pipdig