مدونة حكايات فريدة

الحب و المجهول






ليلة أمس بعد أن غادرت بيتك كلمته كي ألقاه , لكنه تحجج بحجة واهية , و كانت نبرته تشي بالملل

و أنت تعرفين عزيزتي أن الملل يثير فينا عدم الطمأنينة , و لقد جلست للحظات بعد أن أغلقت الخط معه أغالب ظنوني ,حاله مؤخرا يُقلقني, من أين يأتي الشك و يغتال لحظة هدوء فيحل الاضطراب و تغيم الرؤية فلا ندري لحظتها أشكوكنا بصيرة أم أنها مجرد وسواس خشية ؟!

كان يجب أن أستجيب لدعوتك بتناول العشاء معك و أجرب تلك الطبخة التي خلطتي فيها كل البقوليات معا , بينما أنا واقفة بجانبك أثرثر عن مستقبلي و ألتقط بعض من حبات العنب الأحمر الموضوع على الطاولة.

صدقا لا أعرف إن كان خوفي ترقب مجهول أم مجرد عدم أمان , لقد أخبرتك أمس أني لا أعرف شيئا , و هذا أمر مؤسف , أن يباغتني عدم اليقين في مثل هذا العمر , كنتِ أمس تشتكي لي من فقدان الدهشة مع كبر العمر , لكننا بعد لم نكبر لهذا الحد, و لم تشخ أرواحنا , و لم تزل بشرتنا ندية رغم نضج الملامح!

أمس و أنا و أنت واقفتين بقلب مطبخك نضحك و أنتِ تحاولين فتح علبة الصلصة بالسكين, و نتحدث عن أحلام الغد شعرت للحظة أن ما هو باقي من عمرنا أكثر ثراء مما ولى بالفعل

لقد أخبرت حبيبي في آخر مشاجرة لنا أن العمر يجب أن يعلمنا عدم التهور, و نحن مراهقين كنا نستهتر بما نخسر لأن عنفوان الشباب يُغرر بنا, قانعين بأن هناك فرص أخرى ستأتي مع العمر.ثم تأتينا الفرص الأخرى و تضيع لأسباب أخرى.

كما كنت أشرح لكِ و نحن نتذكر خطيبي السابق, إنني غير مقتنعة بأني هجرت أيا من أحبائي , لقد أفلتوني هم من بين أيديهم , كما اضطرك أنت حبيبك السابق للبحث عن طريق آخر بالحياة ثم بكاك فيما بعد

الرجل أناني صديقتي , يريد امرأة تعبده إن تواجد و تبكيه إن رحل , لا لطمة أشد عليه من شبح منافس يحتل مكانه عند امرأته , طفل معلق بوهم أنه لا حق لأمه برجل آخر غير أبيه لا لأنه يحب أبيه و لكن لأن كل امرأة تُنسب إليه بدءا من أمه له بها حق ملكية مكتسب !

لم أخبر رجلا أبدا انه سيندم علي بعد رحيل , لكن بإمكاني أن أخبرك أن حبيبك قد ندم عليك لأنه معك كان متحررا و عاريا من أي تجمل , و لقد بحث على صدور النساء بعدك عن أمان عاطفي كالذي استشعره معك لكنه لم يجد , لقد كنتِ قريبة من روحه كشريكة عمر و لقد صارحك بمكنون نفسه رغم علمه أنك لن تصيري امرأته.

صغار نستهتر بإفلات الأمان لأن عنفواننا يصور لنا أننا أقوى من مخاوف الغد , ثم تهزنا مخاوفنا واحدة تلو الأخرى كلما رأينا الشعيرات البيضاء و انفض من حولنا رفاق الشباب للانشغال و السفر و فقدنا بهجة الدهشة مع تقدم العمر .

الأمان هو الحقيقة الوحيدة التي تتداعى أمامها مبررات حماقاتنا, و أنا أملك الأمان و لا أملكه في آن الوقت , تتركني الحياة على حافة المجهول بشكل دائم و متعمد, فأخشى حتى تصور الحلم.

بينما تفوح رائحة طبختك الشهية ليلة أمس كنتِ تخبرينني عن جلدنا ذواتنا بلا داعي كي تقنعيني أن افتقادنا للأمان لم يكن سوى قدر , بينما كنت أنا أشرح لك أن أحباؤنا هم من رحلوا عنا عندما دفعونا للرحيل بخذلاننا في البدء.

ليلة أمس باغتني الشك بقوة و لم أرد إيقاظك في منتصف الليل , فلا شيء بإمكاننا فعله , ليس بإمكان أخرى منازلتي على رجل , أعرف هدا يقينا , لكن ما فائدة المعرفة إن فقدت أنا الرغبة في أن أكون مع هذا الرجل !

ثوب الزفاف معلقا على مشجب في خزانة أمي , رفضت أن أريه حتى صورته كيلا يجلب هذا الحظ السيئ , و ليلة أول أمس أحضر العمال المطبخ الجديد من أجل تركيبه, و لقد كنت أبحث معه و أنا في طريقي إليكِ اللون الأمثل لجدران حجرة الطعام.

نبرة تشي بالملل , تثير خوفي من المجهول , لا لكون ما بيني و بينه واهيا و لكن لكوني أنا أعاني من عدم الأمان.

أذكر آخر مرة كنت بين ذراعيه و كيف أشعر معه , لا أستطيع المبالغة و اتهامه بأنه سبب خوفي , إنها مسألتي مع نفسي صديقتي, و لقد كنت تحدثيني أنتِ عن رحلتك الأخيرة و كيف كنت كمن يبحث عن شيء مفقود , و أنا اليوم أخبرك أني لا أبحث عما أفتقد , ربما لقناعاتي أنه أمر داخلي, يجب أن أعقد أمور مع نفسي قبل اختياري للون دهان حوائط غرفة الطعام.

حكمتك عندما أخبرتني أن هناك صباحات سأستيقظ فيها متسائلة عما أفعله معه , كانت موجعة , في لحظات كتلك أتمنى لو عدنا مراهقين نتوهم أن الحب سيدوم للأبد بلا ملل أو فتور أو خوف .

لماذا ندرك ما نريده حقا في الحياة متأخرا عندما نكون قد استهلكنا ل المشاعر مع تافهين ننساهم فيما بعد ؟ و لا يخلف انفصالنا عنهم سوى شعور دائم باستحالة ديمومة أي شيء؟

صديقة لي كتبت عهد زواجها قصيدة و أنا لا أعرف بعد كيف سأواجه يوم زواجي! تخبرينني أنت أن جزء مني دائم الترقب من أجل الإفلات و أخبره أنا أني أحبه و أريده لكن الملل يعصف بكل شيء حتى الحب .

إنه سيندم علي إن رحلت كما لم يندم بعمره , لكن رحيلي عنه هو احتمال بعيد غير قائم , سؤال ينهش عشقي الوليد " ماذا إن رحل هو؟ " طلبت جواله صباحا لأجده مغلقا , و لا أدنى فكرة عندي عن ليلة أمس سوى ما سيتطوع بإخباري.

أخبريني , في رحلة حياتنا الغير قصيرة و بين مغازلات كل الرجال لكلتينا , هل قابلت رجل مخلص لامرأته؟ لأنني حاولت ليلة أمس أن أذكر رجلا واحدا مخلصا بصدق و لم أجد ! إن تذكرتِ حكاية رجل مخلص, أحكيها لي عندما أعود من سفري الخميس المقبل, لقد تركت لك رسالتين على المجيب الآلي و لم أتلقى ردك بعد!

...................................................................
Painting Man And Woman  by Edvard Munch

1 comment

يا مراكبي said...

بالطبع يوجد رجال مخلصون

لكن في مثل هذه القصة التي يحتويها النص دائماً أتعجب كيف لإمرأة أن ترتبط برجل ما وهي لا تشعر بالأمان الكامل معه، كيف أنها لا تعرف عنه كل شيء، إن المعرفة الكاملة هي التي تمنح الأمان الكامل، أما لو شعر أحد الطرفين بوجود شيء ما مخفي، تتولد حينها عدم الثقة

Professional Blog Designs by pipdig