مدونة حكايات فريدة

الشك


في تلك الحياة نمضي جسد و روح و عقل... و لكل منهم على حدة متعه الخاصة .. و العناية اللازمة
كلنا نعرف كيف نمتع الجسد... بالنسبة لي .. متعة الروح أمارسها في محاولات التقرب مما أؤمن به .. في محاولات التأرجح أكثر نحو اليقين بعيدا عن الشك
متعتي العقلية .. تكمن في المعرفة .. في كتاب جديد أو فيلم ممتع
مثل ذلك الفيلم
DOUBT
أو الشك
هو فيلم مذهل .. لا فقط من أجل أداء ممثليه البارعين
و لكن لأجل كتابته الممتعة

نادر هذا الفيلم الذي يمتعك متعة توازي قراءة كتاب , فالسينما غير القراءة ,متعة أسهل.. لكني و كمتعصبة للقراءة أرى في الكتاب المتعة الأصعب لكن الأكثر سحرا.
كثيرة هي الأفلام المقتبسة عن روايات.. قرأت الرواية و شاهدت الفيلم .. أعجبني الفيلم لكني أظل و بعدم حياديتي منحازة للرواية ,و كثيرة تلك الأفلام التي تشاهدها و يثني عقلك على قصتها ... القصة جيدة و الأداء جيد لكن نادرة تلك الأفلام التي تستطيع أن تشعرك أنك تقرأ رواية ,تلك الأفلام التي لا يقتصر إبداعها على التمثيل و الإخراج و جمال القصة كمضمون و لكن يمتد ليشمل النص.. عندما يكون النص استثنائيا ..تشعر كأنك لا ترى الفيلم بعينك أو تسمعه بأذنك.. أنت تراه بخيالك و تسمعه بعقلك ... تشعر أنك قد انتقلت إلى بعد ثالث بين الذوات الشاخصة أمامك على الشاشة و الشخوص التي في خيالك.
...
يغرقك الفيلم في حالة من الشك.. و الشك أشبه بتلك الثقوب الصغيرة في الثوب الأسود المعتم... ثقوب تجعل النور يعبر منها كي يمكنك من الرؤية.
هذا هو ما يفعله الشك بالمشاهد ,أما الأبطال فعلى العكس تماما.. شكهم أشبه بالنقط السوداء التي لطخت ثوب أبيض شاهق نقاط أشبه بالثقوب.. لكن لا شيء يمر من خلالها لأنها معتمه .. فقط تترك الثوب ملطخا و حائرا .. بين البياض و السواد.
.....
كالعادة أترك للقارئ قصة الفيلم كي يستكشفها بنفسه من خلال المشاهدة
لكني هنا أنقل لكم من الفيلم

(أن الثرثرة " النميمة" أشبه بالريش.. ريش كان بوسادة ما... أتى ذلك النمام" الثرثار" و شقها بسكينة و نثر الريش من فوق السطح
و عندما تنقل الريح الريش المنثور بكل اتجاه يكون من المستحيل إعادة جمعه
و هكذا الثرثرة ... كلمة تخرج من أفواهنا لتذروها الرياح بكل اتجاه.. من المستحيل إرجاعها .. كما هو من المستحيل رد الأذى عمن كانت الثرثرة حوله)


و( أنه في مضينا قدما في خطوات محاربة الرذيلة قد نبتعد خطوة عن الرب....و يكون في هذا الثمن الذي ندفعه )
........

في الفيلم ثلاث أبطال
شخص تدور حوله الشكوك
و شخص بريء يميل إلى تصديق الخير
و شخص متعصب يميل إلى رؤية الشر. 
تكتشف أنه في رؤيتك للآخر انعكاس لرؤيتك لنفسك..... و تكتشف أن عدم حياديتك مع الآخر راجعة لعدم حيادية مشاعرك تجاهه
تصدق كذبة غرورك .. بأنك تعرف أكثر و أنك محق في حكمك.. تصلب من هو أمامك .. على صليب شكك... لا عن يقين و لكن عن قناعة.
تنسى أن قناعتك لا تكفي .. فعلمك أمر نسبي.. و خبرتك أمر نسبي.. و شكك أمر نسبي و كل شيء في الدنيا نسبي .. و لا يوجد يقين واحد ... فقط قناعات .. قناعات بشر جــُبلوا على الاختلاف... و كل منهم يشك في قناعة الآخر.
و الشك يدفعك لرفض الآخر.. لرفض تصديقه ... لأنك تعتقد أن إيمانك يكفي
لا تتنبه للسخرية الكامنة في الأمر.. و هو أن إيمانك مبني على الشك بإيمان الآخرين 
و هنا تكتشف الحقيقة الغائبة عنك طوال الفيلم
أن شكك في الآخرين هو النقاط السوداء في الثوب الأبيض
أما شكك بنفسك هو الثقوب المنيرة بالثوب المعتم
و أن القناعة ليست هي الطريق المودي إلى اليقين 
إنه الشك هو ذلك الطريق الوعر لليقين





4 comments

زمان الوصل said...

شكرا على الريفيو و شوّقتينى فعلا أشاهد الفيلم خصوصا مع تعصّبى ل "ميريل ستريب" و ما تقدّمه من أعمال :)ا

عين فى الجنة said...

تحليل رائع

يا مراكبي said...

وبعد قراءة البوست أتساءل: هل كان البوست يتحدث عن الفيلم وما استخلصتيه منه؟ أم تحول البوست كله الى حديث عن الشك ودوافعه وأنواعه؟

أنا أيضا أصابني الشك
:-)

لكن بغض النظر عن أيهما الأصح (أحدهما أو كلاهما) فإن النقاط الفلسفية العميقة التي أوردتيها هنا في النص والتي تتحدث عن ماهية الشك والإحساس النسبي هي من أروع النقاط التي تصف الشك بدقة وتعمق

وهذا ما أهتم به بالفعل

كلمات من نور said...

downloading the movie :)

شكرا للنقد البناء داه

Professional Blog Designs by pipdig