مدونة حكايات فريدة

الدستور 2 " تحت الرماد جمر"

زمان .. من أول ما ابتدأت أكتب في المدونة .. زعمت دوما أني لا أحب الكتابة في السياسة ..

 قلت أنى جاهلة بها .
أنا أقرأ تاريخ , فلسفة و روايات . أسمع حكايات الناس و أحكي عنها
 . أحكي عن ذاتي بالصدق الكافي كي أصل لقلب من يقرأ لي

لكن السياسة .. محبطة بالنسبة لشاعريتي , فالكتابة هي فن الممكن يمحي فيها الخيال قسوة الاستحالة أما السياسة فهي فن المفروض و كيف تتعامل مع معطياتك الواقعية بأفضل طريقة ممكنة لتحقيق مصالحك .
كلماتك في السياسة مجرد تحليل و الواقع قائما رغم عنك .
الثورة 
كلمة واسعة المعنى و محيرة في التعريف في رأيي المتواضع هي خطوة جريئة غير سياسية لقلب موازين سياسية بحتة
و هنا يبدو كل شيء في النهاية متعلقا بالسياسة حتى الثورة ذاتها بكونها أقصى شكل من أشكال التحرر من كل قيد و أعظم طريقة ممكنة لتفعيل الممكن و الانتقال من خانة الحلم للواقع. إلا إنها في النهاية تعود لخانة السياسة تعود إلى خانة الواقع الذي غيرته و المفروض الجديد الذي فرضته و كيفية التعامل معه.
بعد الثورة صار لزام علينا التعامل مع السياسة كأمر واقع لا كلمة صعبة مبهمة . لأن الديموقراطية التي نسعى إليها تلزمنا بالاختيار , بالتعامل مع المعطيات الواقعة بأفضل طريقة ممكنة لتحقيق مصلحة بلدنا
الاختيار في حد ذاته إشكالية صعبة , و كنت قد نوهت قبلا عن صعوبة المرحلة علينا. ما زاد الصعوبة جهلنا في ذلك الجانب . السواد الأعظم جاهل سياسيا لذا نحن لا نتعامل مع أمر محير فقط بل و أيضا مبهم .
 أعترف أنا أول من احتاج الفهم و القراءة و السماع لجميع الأطراف و محاولة فك الطلاسم .كلنا لنا سنوات لم نفكر أبدا أن نفهم أو نقرأ أو نعرف الدستور
فاكرة في فيلم " عاوز حقي " الفنان الجميل هاني رمزي  عندما لفت الانتباه بفيلمه الى أن أحدنا لم يقرأ الدستور أو يعرف ما هي الحقوق التي يكفلها له !!
في تلاحق للأحداث نقف جميعا أمام معضلة الاستفتاء على التعديلات الدستورية , نجرب أولى خطوات الديموقراطية , نتخبط بين استماتتنا لإقناع الآخر بصحة ما نرى و خوفنا من كون كفة الآخر هي التي سترجح.
كثيرون منا يحاولون الفهم و التفهم كي يصدروا قرارا صحيحا . بصفة شخصية أشعر أني كطفل قبل أن يتعلم أولى خطواته تعمد أحدهم إلقائه باليم و تثير الفكرة حنقي
فبعد قراءة حاولت فيها محوا لأميتي ظل السؤال الحائر في ذهني
ليه العقدة في المنشار؟
الاستفتاء حول قبول أو عدم قبول التعديلات على الدستور يجعلنا امام اختيارين محدودين . لماذا لم أُسأل قبلا إن كنت أود تعديل على الدستور أم أود إلغاؤه ؟ من هذا الذي فرض علي السؤال الثاني قبل اجابتي عن الأول؟!
حسنا لقد اعترفت في البداية بجهلي فترفقوا بي
طبعا قرأت لكل من قرر أن يقول( لا ) شارحين أن تلك المعضلة تحديدا هي السبب في رفضهم فالثورة أسقطت النظام و عطلت الدستور تماما إذا فهو باطل لا حاجة بنا لترقيعه .
لكن و على حسب فهمي اللي على قده الاستفتاء على التعديل . رفضي للتعديل لا يعني رفضي للدستور أي أن هناك فرض ضمني على تواجد دستور 71
إذا أنا  كأني أدخل لجنة الامتحان و يطلبوا مني الإجابة بنعم أم لا و أنا لا أريد نعم و لا أريد لا لأن السؤال نفسه خاطئ فأريد أن أكتب( لا ) و أعقبها بتعليل أو( نعم) و أنوه له إن السؤال مش عاجبني و مستنياه ينزل التصحيح! . لكن التعليل غير مطلوب و المصحح لن ينظر إليه و سيشطب عليه و الورقة كتبت و التصحيح ليس هو ما أسعى إليه و إجابتي هي على السؤال الخاطئ من الأساس و عدم ذهابي للامتحان يعني رسوبي و لن يغير من الوضع شيئا
هؤلاء الذي يقولون (نعم ) يعللون هذا بكون السؤال إجباري مش اختياري و أن عصفور في اليد خير من ألف على الشجرة و نواية تسند الزير و بلاش القفز عشان رقبتنا ما تتكسرش يلا بينا نعرج يمكن نوصل سالمين
هم لهم منطقهم و فعلا الاستفتاء على التعديل لا الدستور في حد ذاته و هذا هو المتاح و يجب للمركب أن تسير و لو بمجداف مخروم
طيب
يفتش آخرون في دفاترنا القديمة و يطالبوا بتفعيل دستور 54 او اقامة تعديل عليه ردا على المشتكين من كون تشكيل دستور جديد أمر سيستدعي وقت طويل و أذهب أنا لقراءة دستور 54 كي أفهم و أجد أن لهم وجهة نظر تــُعتبر لكني اعود للمعضلة التي تحدثت عنها في مقال سابق عن الفجوة بين من يتكلم و بين السلطة التشريعية المنفذة. 

أشعر بحنق بالغ و استخفاف بي و استغلالا لأميتي السياسية . و أتذكر قصة بني إسرائيل و العجل و السامري عندما بصر السامري بما لم يبصروا به و جعل للعجل خوارا فسجدوا له
أستشعر يقينا أن أحدهم يبصر ما لم أبصر أنا . و لا أرى في يقيني بارانويا نظرية المؤامرة على العكس
لم يجبني أي أحد عن السؤال الأهم بإجابة مقنعة لماذا يجب على أن أسجد للعجل أو لا أسجد !!
كل شيء من الممكن أن يكون له حل ,الدستور في حد ذاته هو كلمات نكتبها نحن لتنسيق حياتنا و قوانيننا بالطريقة التي نريد. الإنسان أقوى من الدستور و العجز هو عجز افتراضي عاري من الصحة و الوضع القائم من الممكن وضع أي حل له نعم من المفترض أن كل الطرق موجودة و بإمكاننا السير في أي اتجاه المهم أن نسير ناحية الأفضل. 
السياسة التي لا نفهمها جميعا هي علم من صنع البشر و كل النظم و التوجهات الفكرية هي مجرد نبت من أفكار و خيال بشري. و المسميات هي مسميات نختارها نحن
الملكية , الجمهورية , الديموقراطية , الديكتاتورية , الحكم الانتقالي , مجلس منتخب للحكم كمرحلة انتقالية , البرلمان , الحزب .... الخ
لماذا عدت لخانة المعضلة ؟ لماذا اقتصرت كل الحلول في كلمات محدودة ؟ و اختزلت كل الأفكار الجديدة تحت صفة " ضرب من الخيال" أو لم تكن الثورة ذاتها ضربا من خيال ؟
من الذي أخرجني من عباءة الثورة الفضفاضة و حاصرني في تلك المنطقة الضيقة في ذلك الوقت المصيري بعمري؟
آه 
نعود للبداية . تلك هي السياسة التي لا أحب الكتابة عنها  . إذا تلك الثورة التي قامت لإسقاط المفروض و تحريري أنا لم تنجح بعد . لأن الأمور تبدو عبثية للغاية و العجل يصدر خوارا عاليا و أنا لا أبصر بيننا من هو السامري؟
و العقدة في المنشار كما كانت دوما و على ما يبدو أني لم أقطعها بعد
لذا فإني و بمنتهى الأمانة أقول أني لست بجاهلة بما يكفي كي لا أدرك معنى الديموقراطية أنا أفهم  أن صوتي و إن كان سيحتسب لكن رأي الأغلبية هو ما سيكون و يجب على تقبله
أنا فقط و بهدوء و من ذلك الظلام  الدامس الذي أقف به أحدث ذلك المبصر الذي لا أبصره
عزيزي
أنت تفعل معي نفس ما كان يــُفعل بي دوما و تتركني بين المطرقة و السندان . تستغل جهلي و مقدرتك على جعلنا نتخبط . تتوهم أني لعبت لعبة لا أفهمها لأني لا أفقه سياسة بينما أنت من ابتدعها لي. لذا فإن كل صيحاتي السابقة و ثورتي هي مجرد شعلة و انطفأت
حسنا أنت واهم و مخطئ و كما كتبت قبلا" ملامحنا لن تــُنسى" . أنا لا أخبرك هذا برومانسية مفرطة أو غضب طفل ألقيته باليم فتخبط بعجز.. لا... أنا أقوله بمنتهى الثقة و الإيمان
عبثية الموقف المحبوكة التي دفعت الكثيرين لقول ( نعم ). و الخشية و الحذر المعلنين اللذان دفعا الكثيرين لقول ( لا ) ليسوا ما أشغل بالي به الآن
أنا أشغل بالي بك أنت أيها الذي لا أعرف له مسمى أو شكل أو تعريفا . إن كنت وهما يجب أن أزيحك و إن كنت حقيقة يجب أن أبصرك
الثورة ليست بشعلة و انطفأت . و ما يحدث الآن له الأعلم مني بتحليله . أنا المصري البسيط الذي يتخبط اليوم لجهل أو حماسة أخبرك بمنتهى الهدوء أنه تحت الرماد جمر.

1 comment

عين فى الجنة said...

مقال جميل يستحق التأمل وسؤال لم يسأله احد
ولكن هكذا الديموقراطية فعلا كما لاحظتى هى النزول على اختيار الاغلبية ولو خالفت اختياراتى وهو من مثالبها الى جانب مثالب اخرى كثيرة
ولكن اخر سطر لى عليه تحفظ فليس هناك جهل الا بالمصطلح وما يحمله من مفهوم ولو تعارف الناس على المصطلحات لاختفى الجهل وبقيت الحماسة
تحياتى

Professional Blog Designs by pipdig