مدونة حكايات فريدة

عن الكتابة الذاتية


أقمت احتفالي الأول بإصدار الرواية و كان احتفال عائليا , لم يكن حفل توقيع بالمعنى المفهوم , قدرما كان احتفال خاصا بإطلاق الرواية , و قطعا كنت سعيدة و لله الحمد , كان أحد أحلامي يتحقق , و لقد بدأ كثيرون في قراءة الرواية و بدأ النقد و طرح الأسئلة , و كل نقد يسعدني و يحفزني أكثر للتفكر.
و جميل أن ينفعل أحدهم لما كتبت و يتعاطف مع أحد شخصياتك أو تستفزه شخصية أخرى , و أثناء حفل التوقيع و ما بعده , أكثر ما لفت نظري هو صعوبة فصل العمل الأدبي عن صاحبه في ذهن القارئ , فهو يتوقع دائما أن الكتابة ذاتية أكثر , و يسأل الكاتب عن كل ما لم يخبره أكثر مما يسأل عما قد كُتب بالفعل.
أسئلة طريفة عن حياة البطلة قبل حبها للبطل , زواجها و انفصالها , لا أعرف كيف أجيبها سوى بابتسامة و تفسير أن القصة تصف وقت زمني معين في حياة شخوصها و ليس بالضرورة سرد كل ما سبق.
و قطعا بطل الرواية الغائب الحاضر الذي استفز كثيرين عدم وجود ملامح له , و تحير معظم من قرأ في شخصه , بينما هناك آخرون رأوه كما أردت أنا رسمه تماما و قرءوا ما بين السطور.
في الحفل كان الجميع يعرفون حياتي حق المعرفة لذا من السهل عليهم تمييز أني لست أنا بطلة الرواية في المطلق , و إن ظلت بعض الأسئلة حول بعض التفاصيل التي قد يتحرجوا من التطرق إليها .
لكن كان هناك حديث حول الكتابة الذاتية و اسم فريدة و اسم أميرة , و إن كنت يوما سأكتب كتابة ذاتية عن حياتي أم لا؟
يجب أن تقترب مني للغاية كي تفهم أن لي عالما خاصا منفصلا بالفعل شأني شأن أي كاتب أراد الله وهبه تلك العطية الجميلة , لذا فإنك بمرور الوقت تدرك أن تلك الحدود المعروفة عند الآخرين بين ما هو ذاتي وواقعي و بين ما هو خيالي , تكاد تكون منعدمة عند الكاتب , إن الكاتب تسيطر عليه الفكرة و أشخاص خياله يستحضرهم فقط من أجل خدمة فكرته , و هو نفسه قد لا يدرك أثر عقله الباطن و تداخله مع عقله الواعي في رسم شخصياته بصورة معينة , و هنا تجيء مهمة الناقد , الواعي عقليا تماما و الحيادي في حكمه , كي يحلل ما فعله الكاتب في كل عمل و انعكاس مرحلته العمرية و ظروفه الحياتية على كتابته.
إن مجرد إدراكك و أنت تكتب سيفقدك القدرة على الكتابة , لأن تفاعل مخزون ماضيك مع تأثرك بالحاضر مصاحبا للاشعور عندك بالإضافة إلى إلحاح الرغبة في الكتابة , كل تلك العوامل تتضافر و يسودها إغواء الفكرة الذي يسيطر عليك و يجعل رغبتك في التعبير أكبر من أي شيء آخر , و قد تكتب ثم تعيد ما كتبت , تغيره و تعدله و تمزقه و تعيد هيكلته من جديد دون كلل , أو تراجع , المهم أن ترى تجسيد ما أملاه عليك إبداعك.
ثم تنهي ما كتبت , و تجد آخرين يسألونك عن حياتك أنت !, إن كانت بطلة قصيدتك هي ملهمة حقيقية , أو كان بطل قصتك هو رجل وقعت في غرامه , على حسب جنسك و حالتك الاجتماعية , تذهب تخيلات القارئ لأبعد مما تتصور أنت ككاتب .
و هم لا يصدقون أنك أنت شخصيا لا تدرك ما قد يستحثك للكتابة , و أن ما تراه أنت لا يخضع للمعايير المعتادة , و رغبتك في التعبير عن هذا المنظور المختلف هو الدافع الحقيقي لكتابتك لا كما يتصور البعض أن الدافع هو رغبتك في التعبير عن ذاتك.
إن ذاتك أحيانا تتلاشى تماما أثناء الكتابة و الحياة , فلا عجب أن تحدثت عن نفسك و كأنها طرف آخر و نقدتها , و رأيتها بمنظور مختلف , لأن ذاتك ما هي إلا أحد الموجودات المحيطة التي هي في النهاية مجرد عامل يتضافر مع عوامل أخرى من أجل الإبداع.
و ما يجعل القارئ يظن في الكاتب الذاتية هو أننا في مجتمع شرقي يميل لأن يستتر , ففي تصور القارئ أن لجوء الكاتب لقصة يزعم كونها خيالية هو الأسهل, و يحرره من الحرج كونها " خيالية " , أكثر مما قد يحدث إن كتب كتابة ذاتية معلنة.
لكني بواقع الأمر لا أرى في الخيال محررا للكاتب , فشخوص خياله لهم نفس القدر و الأهمية بالنسبة له , فهم  يشاركونه وقته و أفكاره و يكاد يكون لهم إرادة , فإن أراد التحرر تماما و التعري كيفما ينبغي, يجب عليه طردهم من حضرته و الانطلاق التام عن طريق ممارسة التجرد الذي توفره لنا الحقائق.
إن الصدق في رأيي هو المحرر الحقيقي من كل قيد , و قد يستلزم شجاعة بصفة عامة و في مجتمعنا الشرقي بصفة خاصة , و لقد كتبت قبلا عن الكتاب الشهير " أكل و صلاة و حب " الذي استطاعت فيه الكاتبة الأمريكية " إليزابيث جلبرت " لفت أنظار العالم لها بالصدق التام و المحاولات الصعبة للحيادية.
إنني أعرف تماما أنه قد يأتي اليوم الذي أكتب فيه الكتابة الذاتية كما أؤمن بها أنا , عندما تكون صادقة , تستهدف سرد الحقائق بحيادية , لا مجرد تصفية حسابات شخصية أو محاولة تمجيد لذات فانية.
لكني وقتها سأكتب بنفس الدافع الذي أكتب به دوما , "الفكرة ", ففي النهاية تلك رسالة الكتابة , أما التفاصيل التافهة , مثل الميلاد و الموت و الطلاق و الزواج و الحب و العلاقات , فهي ما يذكره الآخرون عنك  بعد موتك مختصرين حياتك في سطور و تواريخ , و آراء متباينة غير حيادية في المطلق , أما الفكر الذي عشت من اجله و حركك و اثر بك و كل ما تعلمته بحياتك بالفعل , فهو ما يتجلى من خلال كتابتك.
و قد يكون عدم هوسي بالذات و منظور الآخر لها , هو ما حررني من الكثير و هو ما أوصلني لما أراد الله في وقت ليس بالطويل و لله الحمد.
أما الحب الذي يحلو للجميع التساؤل عنه من قريب أو بعيد , فإنني أعيد قراءة كتاب " أكل و صلاة و حب " و أبتسم عندما أصل لحوار بين إليزابيث و زوجها المستقبلي عن الحب" و هذا قبل ما تحبه و تتزوجه ", عندما أخبرته أنها "لم تعد واثقة في نفسها بما يتعلق بالحب" فأجابها "انه وحدهم الصغار الحمقى و الأغبياء يكونا واثقين بصدد الحب  لأن الحب يجب دوما أن يكون معقدا"
و أقول أنا "الحب بسيطا رغم تعقيده و ليته ببساطة الكتابة و ليت الذات مسطحة مثل تلك الكلمات على الورق , لكنها شيء معقد للغاية بدورها و عميقا, و متغيرا , و هي في النهاية أهم ما تملك, كتبت عنها أم لم تكتب."

2 comments

يا مراكبي said...

إن ذاتك أحيانا تتلاشى تماما أثناء الكتابة و الحياة , فلا عجب أن تحدثت عن نفسك و كأنها طرف آخر و نقدتها

هو ده السر اللي كل الناس بتسألنا - كحكائين - عنه ومش قادرين يصدقوه :-)

حاولت كتير أقنع الناس وما فيش فايدة :-)

Amira said...

القاضي

مش هيقتنعوا

سيبهم , كل يغني على ليلاه
:))

Professional Blog Designs by pipdig