إن اللامبالاة مرض مستوطن و هو مرض تفشى في عموم مدينتنا و هو أحد الأعراض
التي تدل على حيوية متدنية حيث لا يهتم الكائن الإنساني بعد ذلك باستشعار لذة
الحياة, و لا بأن يكون له رؤية متجددة أو حاسة شغوفة متذوقة, و يفضل أن يواجه
الحياة محميا بالملل و الاحتقار و يبتعد عن كل الناس متذرعا بالزهد و الاستغناء.
و إذا كان غنيا فقد يوفر الترفيه الذي يهدد أعصابه المشوشة حتى لا ينشغل عقله أو
يستثار خياله , و إذا كان فقيرا فسوف يلقي بنفسه في عالم التخيلات الرخيصة في
أفلام هوليود , حيث يستطيع أن يستمتع بالاستلاف بحياة الأغنياء المتألقة.
سواء كان غنيا أم
فقيرا فهي ذات الحمى : الهرب من الواقع و قبل كل شيء من الفن إذ أنه المرآة التي
تتضخم فيها حقيقة الحياة.
...........
إن
الفن يتطلب الحرية لاكتماله لأنه إبداع شخصي سواء أكانت حرية العقل أم حرية الشخص
, و عبودية الفنان الاقتصادية هي أحد أسباب موت الفن.
و من
المفهوم أن على الساسة أن يكرهوا الأثر الذي تحدثه قوى التعبير عند الفنان , و على
هذا فهم يرغبون في التحكم في تلك القوة لصالح نظام حكومة أو سياسة , كما أنه من
المفهوم أن تريد الكنيسة أن تستخدم تلك القوة في الدعوة لعقائدها.
و أود الآن أن نتذكر
الفارق بين نوعين من القيادة : بين نوع القائد الذي يعبر عن الجماعة بأن يكون
متلقيا لأفكارهم و مشاعرهم و رغباتهم و بين القائد الذي يؤثر على الجماعة بادعاء حق السلطة .
..........
و قد
وضع لاوتسو حكيم الصين العظيم , ثلاث قواعد للحكمة السياسية : التنزه عن العدوانية
و أحكام الإعدام , البساطة المطلقة في العيش و رفض ادعاء السلطة المطلقة.
..........
إن في الإنسان رعبا
من الوحدة , و من كل أنواع الوحدة و أشدها فظاعة الوحدة الروحية .
إن النساك الأوائل
قد عاشوا من الله , و سكنوا بذلك العالم الأكثر ازدحاما بسكانه , عالم الأرواح ,
إن أول أفكار الإنسان سواء كان مجذوما أو سجينا , خاطئا أو قعيدا , هي أن يكون له
شريك في مصيره , و يحاول بذل جهده كاملا , و قوته و طاقته في الحياة ليرضي هذه
النزعة و التي هي الحياة ذاتها.
من كتاب إلى الجحيم بالثقافة
ل هربرت ريد
No comments
Post a Comment