و كم تبدو تلك الأيام بعيدة ,
بقيظها و اختناق وجداني , ذكرتها صبيحة شتوية أمسي القريب و أنا جالسة مع "
سارة" صديقتي , عندما وصلنا كعادتنا مبكرتين عن الجميع , و بدأنا حديثنا
الخاص , لم نتفق فقط أنا و " سارة" كصديقتين لكوننا كاتبتين
, عملت كل منا بالصحافة و لا لكون كل منا عاشت العالم المزدوج للفنان في مواجهة
منظور المجتمع و لكن لأن كلانا و رغم تأرجح الموقع المكاني بيننا بين البعد و
القرب ,استطعنا خلق دوما مكان ثالث للتلاقي, أبقى , و أصدق.
- عقابا لهم
على التأخير تعالي أنا و أنت نخرج لنسير تحت المطر , و نتركهم هم يأتوا لانتظارنا
عرضت علي "سارة" فكرة
مغامرتها الصغيرة , فنظرت أنا للواجهة الزجاجية المجاورة لنا و المطلة
على الشارع و التي تغطيها قطرات المطر
و قلت لها مبتسمة
- لن
تحمينا معاطفنا الثقيلة من شدة البرد , أنت حامل , ألا تخشين الأنفلونزا؟
وضعت يدها على الكتاب الذي
سنناقشه نحن و الأصدقاء كعادتنا أسبوعيا عند اجتماعنا فيما أسميناه بمقهانا
الثقافي و قالت
- ما
أخشاه هو أن الولد سيصير مثقفا , و مجنون مثل أمه يسير تحت المطر
ضحكت أنا
- أو
يمل القراءة من قبل مجيئه للدنيا بسببك و لا يمسك بعمره كتاب
ردت
- كلا
سيكون كاتبا و رجلا مختلفا , مثل صاحب هذا الكتاب
قلت لها معلقة
- آه
, كم اعجبني طريقته في التعبير عن مشاعره و تواصله مع داخله , نادرا ما نجد في
الرجال الشرقيين ما يشبه
قالت مبتسمة ابتسامتها الواسعة
التي تكشف عن كل أسنانها
- الشرقي
يتواصل عاطفيا فقط من أجل الجنس
فقلت لها من خلال ابتسامي
- و
لماذا نقصر كشرقيات متعة الجنس عليه , ألا نستمتع به نحن مثلهم؟
هزت كتفيها و قلبت شفتيها و هي
تجيب ساخرة
- على
حسب
فضحكت من قلبي و نظرت للشمعة
البيضاء الصغيرة الذائبة في الكوب الزجاجي الشفاف, بيننا على الطاولة و قلت
بامتنان
- لي
وقت يا " سارة" لم اضحك من قلبي أو شعرت بتلك البهجة, التي
أشعرها هذه الأيام, الحمد لله
نظرت هي بعيونها الجميلة الواسعة
لخارج المطعم و هي تقول لي
- لا
يبقى شيء على حاله عزيزتي , أين نحن اليوم و أين كنا بالأمس و ما هو مكان
الغد؟ لا أحد يعرف
قلت لها متطلعة بدوري إلى
خارج المطعم
- لقد
بدأت كتابة عن الأمس
- ما
الذي تريدين كتابته ؟
أجبتها
- أيام
كفرت فيها بالحب و شككت في كل شيء , تلك الفترة التي بدوت فيها كصورة مقلوبة على
جدار
قالت هي
- كل
شيء وقتها بدا كصورة مقلوبة على جدار , 2011 , قلبت كل شيء بالعالم.
مشيرة إلى الحادي عشر من سبتمبر
قلت لها معلقة و ممازحة
- قوة
الرقم 11 !!
ردت هي
- و
البقية تأتي
ثم عقبت عائدة بالحديث عني
- لم
تبد لي تلك المرحلة في حياتك مقنعة مطلقا
فرددت
- أردت كتابتها
من أجل التفريغ لا من أجل الإقناع
تذكرت هي و قالت معلقة
- لقد
كانت فترة مزعجة , تلك التي فقدت فيها مقدرتك على الكتابة , كنت كأنك
شخص آخر لا نعرفه , لا يستحق شخص أو شيء أن نفقد تلك الهبة من أجله
و أنا أذكر قلت:
- لا
يدرك أهمية فقد تلك الهبة أكثر ممن يمتلكها.
ثم عقبت:
- لا
يوجد ما هو أسوأ من العجز و قلة الحيلة.
قالت " سارة"
- يستجلبهما
اليأس
قلت:
- اليأس
كفر , لكن الإيمان يلزمه القوة , إن أساسه أن نؤمن بما لا نرى لا بما نلمس بالفعل,
المعجزات الملموسة كانت من أجل الإيمان و يخلق الإيمان في حد ذاته كل المعجزات.
قالت " سارة " بقناعة:
- الإيمان
بالله حب , و الإيمان بالوطن تضحية و الإيمان بالرجل إخلاص و الإيمان بالمرأة
احتواء.
ابتسمت أنا:
- و
"قليلا ما تؤمنون"
فردت هي و هي تربت على بطنها
المنتفخ:
- سأربيه
ليصير مؤمنا.
اتسعت ابتسامتي أكثر و علقت
قائلة:
- لو
أن كل أم ربت ابنها على الإيمان لما احتارت كل امرأة في أن تجد رجل لا يخذلها
ثم شردت عنها في الذكريات البعيدة قاطعت
" سارة" أفكاري
- أريد
قرائنها عندما تنتهين منها
قلت لها ممازحة
- سنناقشها
في مقهانا الثقافي
قاطع حديثنا حضور البقية , و استمتعنا جميعا بالمشروبات الدافئة و الحكايات
الدائرة حول منظور كل منا لكلمات الكاتب , كنت أرشف اللاتيه بتلذذ و أسمع لآراء
المحيطين باهتمام , و كعادة قديمة كنت قد خشيت كوني فقدتها , فصلت ذاتي عن ذاتي
فيما أسميه بالتوقف المؤقت , و أبصرت مكاني و صحبته و نفسي و حالها و استنشقت هواء
بدا لي باردا و منعشا ,رغم دفء المحيط , في رضا.
28 نوفمبر 2011
No comments
Post a Comment