مدونة حكايات فريدة

مالم ينشر 2



و كم تبدو تلك الأيام بعيدة , بقيظها و اختناق وجداني , ذكرتها صبيحة شتوية أمسي القريب و أنا جالسة مع " سارة" صديقتي , عندما وصلنا كعادتنا مبكرتين عن الجميع , و بدأنا حديثنا الخاص  , لم نتفق فقط أنا و " سارة" كصديقتين لكوننا كاتبتين , عملت كل منا بالصحافة و لا لكون كل منا عاشت العالم المزدوج للفنان في مواجهة منظور المجتمع و لكن لأن كلانا و رغم تأرجح الموقع المكاني بيننا بين البعد و القرب ,استطعنا خلق دوما مكان ثالث للتلاقي, أبقى , و أصدق.

-         عقابا لهم على التأخير تعالي أنا و أنت نخرج لنسير تحت المطر , و نتركهم هم يأتوا لانتظارنا
عرضت علي "سارة"  فكرة مغامرتها الصغيرة , فنظرت  أنا للواجهة الزجاجية المجاورة لنا و المطلة على الشارع و التي تغطيها قطرات المطر 

و قلت لها مبتسمة
-         لن تحمينا معاطفنا الثقيلة من شدة البرد , أنت حامل , ألا تخشين الأنفلونزا؟

وضعت يدها على الكتاب الذي سنناقشه نحن و الأصدقاء كعادتنا أسبوعيا عند اجتماعنا فيما أسميناه بمقهانا الثقافي و قالت
-         ما أخشاه هو أن الولد سيصير مثقفا , و مجنون مثل أمه يسير تحت المطر

ضحكت أنا
-         أو يمل القراءة من قبل مجيئه للدنيا بسببك و لا يمسك بعمره كتاب

ردت
-         كلا سيكون كاتبا و رجلا مختلفا , مثل صاحب هذا الكتاب

قلت لها معلقة
-          آه , كم اعجبني طريقته في التعبير عن مشاعره و تواصله مع داخله , نادرا ما نجد في الرجال الشرقيين ما يشبه

قالت مبتسمة ابتسامتها الواسعة التي تكشف عن كل أسنانها
-          الشرقي يتواصل عاطفيا فقط من أجل الجنس

فقلت لها من خلال ابتسامي
-          و لماذا نقصر كشرقيات متعة الجنس عليه , ألا نستمتع به نحن مثلهم؟

هزت كتفيها و قلبت شفتيها و هي تجيب ساخرة
-          على حسب

فضحكت من قلبي و نظرت للشمعة البيضاء الصغيرة الذائبة في الكوب الزجاجي الشفاف, بيننا على الطاولة و قلت بامتنان
-          لي وقت يا " سارة" لم اضحك من قلبي أو شعرت بتلك  البهجة,  التي أشعرها هذه الأيام, الحمد لله

نظرت هي بعيونها الجميلة الواسعة لخارج المطعم و هي تقول لي
-          لا يبقى شيء على حاله عزيزتي , أين نحن اليوم و أين كنا بالأمس و ما هو مكان الغد؟  لا أحد يعرف

قلت لها متطلعة بدوري إلى خارج المطعم
-          لقد بدأت كتابة عن الأمس

-         ما الذي تريدين كتابته ؟

أجبتها
-         أيام كفرت فيها بالحب و شككت في كل شيء , تلك الفترة التي بدوت فيها كصورة مقلوبة على جدار

قالت هي
-          كل شيء وقتها بدا كصورة مقلوبة على جدار , 2011 , قلبت كل شيء بالعالم.

مشيرة إلى الحادي عشر من سبتمبر قلت لها معلقة و ممازحة
-          قوة الرقم 11 !!

ردت  هي
-          و البقية تأتي

ثم عقبت عائدة بالحديث عني
-          لم تبد لي تلك المرحلة في حياتك مقنعة مطلقا

فرددت
-         أردت كتابتها من أجل التفريغ لا من أجل الإقناع

  تذكرت هي و قالت  معلقة
-         لقد كانت فترة مزعجة , تلك التي فقدت فيها مقدرتك على الكتابة , كنت كأنك شخص آخر لا نعرفه , لا يستحق شخص أو شيء أن نفقد تلك الهبة من أجله

و أنا أذكر قلت:
-          لا يدرك أهمية فقد تلك الهبة أكثر  ممن يمتلكها.

ثم عقبت:
-         لا يوجد ما هو أسوأ من العجز و قلة الحيلة.

قالت " سارة"
-         يستجلبهما اليأس

قلت:
-         اليأس كفر , لكن الإيمان يلزمه القوة , إن أساسه أن نؤمن بما لا نرى لا بما نلمس بالفعل, المعجزات الملموسة كانت من أجل الإيمان و يخلق الإيمان في حد ذاته كل المعجزات.

قالت " سارة " بقناعة:
-         الإيمان بالله حب , و الإيمان بالوطن تضحية و الإيمان بالرجل إخلاص و الإيمان بالمرأة احتواء.

ابتسمت أنا:
-         و "قليلا ما تؤمنون"

فردت هي و هي تربت على بطنها المنتفخ:
-         سأربيه ليصير مؤمنا.

اتسعت ابتسامتي أكثر و علقت قائلة:
-         لو أن كل أم ربت ابنها على الإيمان لما احتارت كل امرأة في أن تجد رجل لا يخذلها

ثم شردت عنها في الذكريات البعيدة  قاطعت " سارة" أفكاري
-          أريد قرائنها عندما تنتهين منها

قلت لها ممازحة
-          سنناقشها في مقهانا الثقافي

قاطع حديثنا حضور البقية , و استمتعنا جميعا بالمشروبات الدافئة و الحكايات الدائرة حول منظور كل منا لكلمات الكاتب , كنت أرشف اللاتيه بتلذذ و أسمع لآراء المحيطين باهتمام , و كعادة قديمة كنت قد خشيت كوني فقدتها , فصلت ذاتي عن ذاتي فيما أسميه بالتوقف المؤقت , و أبصرت مكاني و صحبته و نفسي و حالها و استنشقت هواء بدا لي باردا و منعشا ,رغم دفء المحيط , في رضا.

28 نوفمبر 2011

No comments

Professional Blog Designs by pipdig