مدونة حكايات فريدة

رومانسية الثورة



في بلاد أخرى, الشباب في مثل أعمارنا  يغردون على صفحات تواصلهم الاجتماعي , عن الحب , عن الرياضة أو الموضة!
إن بلدك هي مثل والديك , قدر لم تختره و تعيش عمرك تتعلم تقبله رغم صراعاتك معه , قد تتجنس بجنسية أخرى , لكن يظل عرقك باديا في ملامحك , في لكنتك , عالق في خبايا ذاكرتك عندما تخلد لنفسك.

أحد أسراري أني إنسانة لا تنبذ واقعها و لا تخجل منه , تخطيت إشكاليات عدة رأيت آخرين قد شقوا بها , لكني أعذرهم , مثلما أعذر نفسي معظم الأحيان

 عندما أستيقظ صباحا , لأجد تغريدات من اتبعت مليئة بالسباب و التهكم و الغضب ,مدركة أنه في زمن آخر كان من الممكن أن نصير اعتياديين , نكتب عن الرياضة , السيارات , الحب و الموضة , نتبادل مقالات تفيدنا في مجالات أعمالنا , عنوانيها تبدأ غالبا ب " أفضل ثلاث طرق من أجل ..." , لكننا لا نتبادل مثل تلك المقالات , نحن نتبادل الأخبار و الشائعات و نحلل المواقف , لأن بلدك مثل والديك قدر لا تستطيع بسهولة محوه من وجدانك, شباب بلدي شباب مختلف عمن هم يماثلوه عمرا , كلنا نعلم هذا , حوادث الحياة الإنسانية كالعشق و الزواج و الإنجاب هي حوادث هامشية غالبا , و  خصوصا عندما نحيا في زمن المرحلة الانتقالية

ما هو وطني صار أكبر مما هو إنساني و أحداثنا الجسام أثرت على كل شيء , و ندرك هذا جميعا , و نتعامل معه , كلٌ بطريقته!

بالنسبة لي , فإن هناك لذة حمقاء في إدمان الأمل , رومانسية الإيمان بغد أفضل , جنون لم أتخلص منه و لا أود أن أفعل.

أرفض المشاعر السلبية بقوة كما ترفض امرأة حقيقية عطر منفر سيُقبح طلتها, في عالمي البسيط جدا ألوان العالم أكثر بهاء و مصر معشوقة رغم كل شيء.

و أنا في أمريكا كان أصدقائي يكلمونني يشتكون لي مما حدث في البلاد بعد الإخوان , كنت أردد متسائلة " معقولة مصر هتسيبهم أربع سنين؟!"

أمس و أنا في الشارع مبتسمة كراحل رأى فردوسه الأبدي , التفت لأمي اخبرها أن لحظة كتلك تساوي عودتي إلى مصر

إن بلدك في لون بشرتك و عيونك و لغتك و عرقك و روح دعابتك, إن بلدك فوق جلدك العاري وتشي بها طريقة ضحكتك.

برومانسية مفرطة كعادتي أرى كل المشاهد في مصر , فشيئان بحياتي أجيد الاستمتاع بهما العشق و الأمل , و لا يعكر صفوي هؤلاء الذين تفوح رائحة التشاؤم منهم , و كم يذكرني أمس بيناير , بعد تنحية مبارك , كل هؤلاء الذين قتلوا سوداوية المنظور بحثا و نعقوا في آذاننا بكون الثورة خدعة و غدنا خراب , اليوم يتحدثون عن الانقلاب العسكري و فشل التجربة, و لا يوجد أقبح من مصري يلعن وطنه و يستنزل اللعنات على شعبها لمجرد أن منظوره السياسي لم يتحقق!

كثير من الأشياء تثير الغثيان بالحياة, الرخص عادة أعم مما هو نفيس , لكن لا بأس , الحمية الروحانية تشبه الحمية الغذائية تترك داخلك أكثر خفة و رشاقة, إنه ليس انفصالا عن الواقع , إنها قمة الواقعية  فلقد كبرت بما يكفي  كي أعرف أنه وحدهم الأطفال عالمهم يبدو مثاليا
الحياة مليئة بكل ما هو مؤسف , و الأسى يتربص بنا في كل مكان , و تلك هي الدنيا , و لو أنك سألتني إن كنت أود أن آتي الدنيا أم لا سأحتار في إجابتك , منذ شهور طلبت من الله بإخلاص أن ألقاه فلقد وصلت حياتي لقمة العبث و كان من الممكن ببساطة ألا أفيق من المخدر و تنتهي الحكاية

لكن حياتنا كبلادنا ككثير من الأشياء , قدر محتوم ,  و أنا أقبل ما لا أستطيع تغييره وقتيا , لأن حيلتي لا تنفذ , و لأنني أمارس العشق و الأمل كأن لحظة نشوتي بهما هي آخر لحظة بعمري .

و المتشائمون مثل العطر الرخيص , يفسد المشهد للحظات لا داعي لها ثم يتبخر سريعا.

في بلاد أخرى تستيقظ امرأة في مثل عمري لتغادر إلى عملها بهدوء , و تقرأ كتابا جيدا و تغرد ببعض المقولات التي أعجبتها به , ثم تلقى حبيبها على العشاء و يكون تحضيرها لزواجها نهاية ذلك العام هو الحدث الأكبر و ترسل لها صديقتها صورة منتجع يصلح لتقضية شهر العسل

لكني ابنة تلك البلد , حيث نستيقظ لنحصي عدد القتلى و نحلل الموقف العالمي تجاه عزل " مرسي" و نحلل الموقف الحالي و يندب بعضنا الغد البعيد.

لكن يظل لي أنا صباحي الخاص , أشرب قهوتي و أقرأ التحليلات و لا أغرد كثيرا, لا يعنيني ألف مُتبع و مجادلة خمسمائة صديق ,لقد انخرطت في عمل الخير بمصر قدر استطاعتي و دون جلبة فاستقر ضميري و عشت حياة تحمل عدة معاني بصمت.

و رغم كوني لا سياسية و لا ثورجية , لا فلول و لا إخوان , و لأني ببساطة مصرية, أستيقظ بخدر نشوة مشاهدة شعب عبر عن رأيه و أحلم برومانسية بغد أفضل و أقرر استخدام قارورة عطر جديدة وأكتب لمن أحب ببساطة و أبحث عن عمل بصمت و أقلق من المجهول للحظات قليلة أعلم أنها لن تغير من الواقع شيئا, فأقرر كتابة تدوينة هادئة!



2 comments

يا مراكبي said...

حسناً فعلتِ

اذا أُتيحت لك الفُرصة أن تهربي من هذا العالم الكئيب فلا تستدعي الإكتئاب بنفسك

الهموم في بلادنا كثيرة ومُتاحة بشدة، نحتاج أن نخفف من وقعها علينا لا أن ننفخ في كير أتونها ونشعلها أكثر

Amira Elsherbiny said...

الهموم متاحة دائما
لن تذهب إلى أي مكان
تنتظر عودتنا دائما كما هي أو تزيد!

:)

Professional Blog Designs by pipdig